في العصور المبكرة، اعتادت بعض الإمبراطوريات الكبرى؛ على إجراء عمليات تعداد من نوع ما، بحسب ما كان متوفرًا لديها من إمكانيات، في ذلك الوقت، بدافع الوقوف على قدرة الناس على دفع الضرائب أو ملاءمتهم لحمل السلاح للدفاع عن البلاد. وربما هذا ما رسّخ في أذهان الكثيرين، خاصة وسط المجتمعات المحافظة أو المنعزلة، نوعاً من التوجس والخشيّة والتردد إزاء أي تعداد، لكن؛ تبدّدت هذه الهواجس تدريجياً مع انتشار التعليم وازدياد الوعي، وكذلك مع تغيُّر أهداف التعداد من (دفع الضرائب والتجنيد)، إلى السعي لتوفير النماء والرفاهية، من خلال الحصول على قاعدة بيانات ديموغرافية وسجل إحصائي للخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، بغرض تقدير مدى النمو السكاني ومساعدة الحكومات في تحديد الاتجاهات التنموية المستقبلية، من أجل التوزيع الأفضل للمشاريع الحكوميّة والتعليم والصحة، بالإضافة إلى أهميته في عمل البحوث الأكاديميّة ودراسة حركة ومؤشرات الأسواق التجاريّة. ويعتبر الإحصاء السكاني الذي أُجري في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1790م أول إحصاء شامل بهدف التخطيط التنموي، وتُجري بريطانيا إحصاءات حديثة منتظمة كل 10 سنوات منذ 1801م، وبدأت أغلب الدول العربية - ومن بينها المملكة - التعداد السكاني في السبعينيات الميلادية من القرن المنصرم. وساهمت مؤشرات التعداد السكانيّ في تقدير الأهداف التنموية للألفية الخاصة بالدول، ومعرفة معدّلات البطالة، والأمية بين السكان، فضلاً عن توفير بيانات وإحصاءات من أجل تحليل وتقييم التغييرات التي تحدث في البلد، ومساعدة الجهات المسؤولة على اتّخاذ القرارات السليمة التي تساهم في وضع خطط تنموية شاملة. ومع مرور السنوات تطورت التعدادات السكانية، من حيث شموليتها ودقتها واستخدامها أحدث التقنيات المتوفرة في كل مرحلة زمنية.. وأصبحت الدول اليوم تتنافس ليس على رفع نسبة المشاركة في التعداد -وهو واجب اجتماعي يجب أن يقوم به كل مواطني البلد والمقيمين في أراضيه إقامة مستمرة- ولكن التنافس أصبح على استخدام التقنية بحيث يشارك المواطن والمقيم في التعداد عبر العد الذاتي، وهذا الأمر أصبح أكثر إلحاحاً في ظل جائحة كورونا. وقد أكد معالي وزير الاقتصاد والتخطيط عند إعلانه عن صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على أن تكون ليلة الإسناد الزمني للتعداد العام للسكان والمساكن في مساء يوم الاثنين الثامن من شوال 1443هـ 9 مايو 2022م على توفير الهيئة العامة للإحصاء خيار العدّ الذاتي الذي يُمكن من خلاله استيفاء بيانات استمارة التعداد إلكترونيًّا عن طريق بوابة الهيئة على الإنترنت دون الحاجة إلى زيارة الباحث الميداني، فيما ستستمر مشاركة الباحثين الميدانيين للتأكد من شمول التعداد لجميع شرائح المجتمع من مواطنين ومقيمين داخل المملكة. وأحد أهم مؤشرات نجاح تعداد السعودية 2022، وأحد تحدياته في ذات الوقت، يتمثل في مدى قدرة القائمين على مشروع التعداد في إقناع أعلى نسبة من المشاركين -خلال مرحلة العد الفعلي- على المشاركة في العد الذاتي إلكترونياً، والذي يُسرِّع من خطوات جمع البيانات وتحليلها، وإعلان النتائج، ويجعلها أكثر دقة.