أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي تواجه سلطته تحديات متزايدة، مساء الأحد ضرورة استمرار عملية "الإصلاح" وإنهاء الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس، مشيرا إلى أن تقويض إسرائيل لحل الدولتين يبقي الخيارات مفتوحة. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال افتتاح أعمال الدورة الحادية والثلاثين للمجلس المركزي الفلسطيني، وسط مقاطعة فصائل بارزة. ومن المتوقع أن يشهد الاجتماع الذي يعقد في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، إعلان أسماء الشخصيات التي ستشغل مقاعد مهمة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي من شأنها أن تعطي تصورا حول اسم خلف الرئيس عباس. وأكد عباس في كلمة مسجلة بثها التلفزيون الرسمي الفلسطيني إيلاء "عملية الإصلاح اهتماما كبيرا وهي عملية متواصلة"، وأن مواجهة التحديات "تتطلب إنهاء فوريا للانقسام الداخلي في إطار الالتزام بالشرعية الدولية". وأضاف خلال الاجتماع، الذي يعقد للمرة الأولى منذ أربع سنوات، "القدس وفلسطين فوق الجميع". وحول العلاقة مع إسرائيل التي زارها عباس أواخر ديسمبر واجتمع مع وزير دفاعها بيني غانتس، قال إن "اتصالاتنا مع الجانب الإسرائيلي ليست بديلا عن الحل السياسي القائم على الشرعية الدولية". وأشار إلى أنه "لا يمكن استمرار تنفيذ الاتفاقيات من جانب واحد". وقال عباس "لن نقبل باستمرار الاحتلال وممارساته الاستعمارية التي تكرس الفصل العنصري وإرهاب المستوطنين". واعتبر أنه "أمام تقويض سلطة الاحتلال الإسرائيلي لحل الدولتين، تبقى الخيارات مفتوحة، وتجب إعادة النظر في الوضع القائم بأسره حفاظا على مصالح شعبنا وقضيتنا". ويتوقع المحللون أن يعلن عباس تعيين رئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ أمينا لسر اللجنة التنفيذية خلفا لصائب عريقات. ويعرف عن الشيخ، الذي تتولى الهيئة التي يترأسها مهمة التنسيق اليومي مع الجانب الإسرائيلي، بقربه من الرئيس عباس. كما أن له علاقات جيدة مع القادة الإسرائيليين والأميركيين. ورغم أنه لا يتمتع بشعبية واسعة لدى الشارع الفلسطيني، إلا أن اسم الشيخ مطروح بين الخلفاء المحتملين لعباس. وفي حال اختياره، سيشغل الشيخ مقعد كبير المفاوضين الفلسطينيين مع إسرائيل صائب عريقات، الذي توفي في العام 2020 بعد إصابته بفايروس كورونا. ومن ضمن المقاعد المهمة الشاغرة أيضا، مقعد حنان عشراوي التي تعتبر من أبرز الشخصيات الفلسطينية، وقد استقالت في ديسمبر 2020 داعية إلى تجديد القيادة الفلسطينية. وتواجه منظمة التحرير مؤخرا، ورغم تعريفها لنفسها بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، تساؤلات حول ماهية وجودها ودورها. كما توجه لها انتقادات لفشلها في إجراء انتخابات منتظمة لملء عدد من المناصب القيادية. وشهد اجتماع الأحد الذي عقد تحت عنوان "تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وحماية المشروع الوطني والمقاومة الشعبية"، انتقادا ورفضا من عدد من الفصائل الفلسطينية اليسارية، إذ قاطعته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعدد من الأعضاء المستقلين. والمجلس المركزي الفلسطيني هو هيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير)، يتألف من حوالي 124 مقعدا، وكان عقد آخر دورة اجتماعات له في أكتوبر عام 2018. وتبحث اجتماعات المجلس المركزي مستقبل العلاقة مع إسرائيل وتقييم تطورات القضية الفلسطينية، التي تواجه انسدادا سياسيا في ظل توقف عملية السلام منذ عام 2014. وتمت الدعوة إلى مسيرات احتجاجية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، الذي تحكمه حركة حماس الإسلامية. وفي كلمته، أكد الرئيس الفلسطيني سعيه "لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية فور تمكننا من عقدها في القدس"، وشدد على أن "القدس الشرقية ستبقى عاصمة دولة فلسطين الأبدية". وبحسب الرئيس، فقد "أنجزنا المرحلة الأولى من تنظيم الانتخابات البلدية، وجار العمل على إنجاز المرحلة الثانية". ورأى المحلل السياسي غسان الخطيب أن "عدم إجراء الانتخابات" تسبب في تعزيز "تساؤلات مشروعة جدا حول شرعية" منظمة التحرير. ويُتهم عباس (86 عاما) بإحكام قبضته على منظمة التحرير التي تنضوي تحت جناحها الفصائل الفلسطينية ما عدا حماس، وكذلك السلطة الفلسطينية التي لها نفوذ مدني على أجزاء من الضفة الغربية. واحتلت إسرائيل الضفة الغربية في العام 1967، ويعيش هناك اليوم حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني، بالإضافة إلى نحو 475 ألف مستوطن إسرائيلي. ويعتقد الخطيب أن اقتناع البعض بأن قرارات الأحد لن تتخذها إلا الدائرة المقربة من عباس، "سيزيد من تعميق الجدل والتساؤلات حول الشرعية". وألغى عباس، الذي انتخب في العام 2005 رئيسا للفلسطينيين، في أبريل الماضي الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كانت مقررة في مايو ويوليو، بحجة أن الانتخابات غير مضمونة في القدس الشرقية التي تحتلها إسرائيل. وحينها كان يفترض أن يتوجه الفلسطينيون إلى صناديق الاقتراع بعد انقطاع استمر لنحو 16 عاما. وترفض إسرائيل أي مظهر سيادي للسلطة الفلسطينية في القدس الشرقية، التي احتلتها في العام 1967 وضمتها لاحقا، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد اعترف أواخر العام 2017 بالقدس عاصمة موحدة للدولة العبرية، في خطوة لاقت غضب الفلسطينيين الذين يعتبرونها عاصمة لدولتهم المستقبلية. وتشهد شعبية عباس تراجعا كبيرا وفق ما تفيد استطلاعات الرأي، وتوصف سياسته بالمستبدة، وخصوصا بعدما شهد العام الماضي احتجاجات ضد سياسته تخللها عنف، وبعد مقتل الناشط السياسي نزار بنات الذي تحمّل عائلته الأجهزة الأمنية الفلسطينية مسؤولية "اغتياله". وترفض حركة حماس، وهي خارج منظمة التحرير، انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني بدعوى غياب توافق وطني على ذلك. وحركة فتح، التي يتزعمها عباس، وحركة حماس في حالة انقسام منذ أن استولت الحركة الإسلامية على السلطة في القطاع المحاصر في العام 2007. وشهد قطاع غزة الأحد تظاهرة شارك فيها المئات، احتجاجا على انعقاد المجلس المركزي ولمطالبة عباس بالرحيل.
مشاركة :