جدد مجلس النواب المصري قيامه بدور المعارضة عندما رفض الثلاثاء تعديلات أدخلتها الحكومة على قانون التعليم لمواجهة تسرب الطلاب من المدارس وانقطاعهم عن التعليم، وهو المشهد الذي تكرر أكثر من مرة باتخاذ البرلمان موقفا يبدو مناهضا لتصورات الحكومة. وحملت التعديلات فرض غرامة مالية على الأسرة التي ينقطع ابنها عن الدراسة، تصل إلى 65 دولارا، وحال تكرر الانقطاع يتم حرمان الأب أو الأم أو المسؤول عن الولاية التعليمية للطالب من كل أو بعض خدمات الحكومة والهيئات العامة والمرافق بالدولة إلى حين عودته للدراسة. وشن البعض من النواب بمختلف انتماءاتهم السياسية هجوما حادا على الحكومة واتهموها بأنها تتفنن في زيادة الأعباء على المواطنين وتستسهل فكرة اللجوء لسلاح الغرامة المالية دون النظر إلى الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الناس من فرض ضرائب لغلاء أسعار إلى تحريك تكاليف الخدمات. وشهدت الفترة الأخيرة اعتراض مجلس النواب على سلسلة من مشروعات القوانين التي قدمتها الحكومة، مثل زيادة الضرائب وتحريك أسعار خدمات المرور في محاولة لتغيير الصورة الذهنية السلبية عنه بالشارع، واتهامه بأنه يرتمي في أحضان السلطة على حساب الناس. جهاد عودة: لا غنى عن الاشتباك بين البرلمان والحكومة لاسترضاء الشارع وبدت الحكومة من خلال تعديلات قانون التعليم كأنها مغيّبة عن أولويات الناس، فالأهالي يطالبون أولا بأن يتم بناء مدارس وتوفير المعلمين والمعلمات بها قبل أن تطالب الأسر بحضور أولادها لفصول خاوية منهم وتوعد المنقطعين عن التعليم بغرامات مالية وحرمانهم من الخدمات. وأكدت مصادر برلمانية لـ”العرب” أن رفض تعديلات قانون التعليم ليس موجها للحكومة، بل لوزير التربية والتعليم طارق شوقي لامتصاص غضب الشارع ضد سياساته وقراراته، لاسيما أن قطاع التعليم يمثل منغصا سياسيا للرئيس عبدالفتاح السيسي، وهناك ضرورة ليشعر الناس بأن المجلس متعاطف مع الأهالي الذين لديهم نحو 25 مليون طالب في المدارس، ويمثلون حوالي 25 في المئة من السكان. وما يلفت الانتباه أن نواب حزب “مستقبل وطن” المعروف عنهم التأييد السياسي للحكومة كانوا أكثر هجوما عليها خلال مناقشة تعديلات القانون، وفي مثل هذه الظروف لا تكون الموافقة أو الرفض لأي تشريع صدفة، لكن غالبا ما تأتي وفق حسابات سياسية بعينها، ولها علاقة بالمكاسب أو الخسائر السياسية. وأشاد الكثير من متصفحي شبكات التواصل الاجتماعي التي تعكس نسبيا توجهات الرأي العام في مصر بموقف مجلس النواب في ملف جماهيري مثل التعليم، ما يعني أن مجلس النواب أحرز هدفا في مرمى الحكومة، وهذا في حد ذاته يمثل مكسبا للبرلمان والنظام الحاكم. وقال جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، جنوب القاهرة، لـ”العرب” إن أنسب تصور سياسي قيام مجلس النواب بدور المعارضة المتزنة عندما تختفي من المشهد الكثير من التيارات السياسية، بغض النظر عن أسباب هذا الاختفاء، لأنه لا غنى عن الاشتباك المنضبط بين البرلمان والحكومة لاسترضاء الشارع. ويرى متابعون أن المعارضة البرلمانية مطلوبة في ظل تراجع مصداقية المجلس لمستوى قياسي، فيما يبدو أن هناك لعبة تبادل أدوار مع الحكومة، فهو يعارضها في تشريعات تلامس حياة المواطنين ويصمت على قراراتها الخاصة بزيادة الأسعار. وقررت الحكومة زيادة أسعار المشتقات البترولية دون أن تواجه ردة فعل من البرلمان، ما أوحى للمصريين بأن قيام المجلس بدور المعارضة أحيانا متفق عليه بين الطرفين أو محاولة لتجميل صورة السلطتين التنفيذية والتشريعية طالما أن الشارع دائما ما يضعهما في خانة واحدة. مواجهة تسرب الطلاب من المدارس وتبدو هذه الصيغة مقبولة لدوائر صناعة القرار في الدولة، فبدلا من أن تأتي المعارضة من تيارات مناوئة لا مانع من قيام البرلمان والنواب المقربين فيه من الحكومة بهذا الدور ليقدم تنوعا وانفتاحا سياسيا مع مساحة من حرية الرأي والتعبير. ولا يستبعد المتابعون أن يكون تصعيد مجلس النواب ضد الحكومة في الآونة الأخيرة مقدمة لإجراء تغيير في بعض الحقائب الوزارية مع تواتر أنباء قوية عن تعديلات مرتقبة في الحكومة تشمل عددا من الوزراء قبيل انتقالها رسميا إلى العاصمة الإدارية الجديدة خلال الأسابيع المقبلة للإعلان عن الجمهورية الجديدة رسميا. واعتاد الشارع في مصر أن يترقب تعديلات وزارية بعد كل تصعيد مفاجئ ومستمر يحدث من البرلمان تجاه الحكومة للإيحاء بأن المجلس كجهة تشريعية ورقابية كانت له الكلمة الأولى في تغيير بعض الوزراء المغضوب عليهم في الشارع، بالتالي من الممكن أن تُحتسب له هذه الخطوة سياسيا ويستعيد جانبا من بريقه. ويتفق سياسيون على أن البرلمان بغرفتيه (مجلسي النواب والشيوخ) يجد البيئة المناسبة التي تساعده على ملامسة واقع فئات اجتماعية طالما ظلت تراه لا يعبر عنها وعبرت عن تململها من تجاهله الأزمات اليومية التي تواجهها.
مشاركة :