يعدّ مرض السرطان أحد أكثر الأمراض شيوعا في عصرنا، لكنه مرض يثير رعب الجميع لارتباطه بمعدّلات مرتفعة من الوفيات بالإضافة إلى المعاناة الصحية التي يعاني منها المصابون به. وتعرّف منظمة الصحة العالمية مرض السرطان بأنه مصطلح عام يشمل مجموعة كبيرة من الأمراض التي يمكن أن تصيب أيّ جزء من الجسم، وهناك مصطلحات أخرى مستخدمة هي الأورام الخبيثة والتنشُّؤات. ومن السمات المميزة للسرطان التولّد السريع لخلايا شاذة تنمو خارج نطاق حدودها المعتادة وبإمكانها أن تغزو بعد ذلك أجزاء مجاورة من الجسم وتنتشر في أعضاء أخرى منه؛ وتُطلق على العملية الأخيرة تسمية النقيلة، وتمثل النقائل أهم أسباب الوفاة جراء السرطان. وكان هذا المرض سببا رئيسيا للوفاة في جميع أنحاء العالم، وقد أزهق أرواح 10 ملايين شخص في عام 2020. وعادة ما تكون الإصابة بمرض السرطان مفاجئة وقاسية، لكن القليل من الناس يدركون أهمية اتباع نظام حياة صحي يجتنبون فيه مسببات السرطان، حيث تؤكد العديد من الدراسات الطبية أنه من الممكن تجنب ما يقرب من نصف حالات الإصابة بالسرطان، بمجرد تغيير البعض من العادات المتبعة في نمط الحياة اليومي. الحلّ بين يديك ديل شيبرد: التغييرات النسبية في نمط الحياة تقي من السرطان يقول الدكتور ديل شيبرد إن ما بين 30 إلى 50 في المئة من جميع حالات الإصابة بالسرطان تمكن الوقاية منها، وذلك وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية. وأوضح أخصائي الأورام بقسم أمراض الدم والأورام في مستشفى كليفلاند كلينك الأميركي، أن التغييرات البسيطة نسبيا في نمط الحياة يمكن أن يكون لها تأثير كبير في المساعدة على الوقاية من الإصابة بمرض السرطان. وتشمل هذه التغييرات الحفاظ على وزن صحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام واتباع خطة غذائية صحية للقلب مثل حمية البحر الأبيض المتوسط، التي تعتمد على تناول حصص أكبر من الخضراوات الورقية وتقليل استهلاك اللحوم الحمراء. وتشمل المكونات الرئيسية لهذه الحمية الاستهلاك اليومي للخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة والدهون الصحية والاستهلاك الأسبوعي للأسماك والدواجن والفاصوليا والبيض وحصصا معتدلة من منتجات الألبان مع التقليل من استهلاك اللحوم الحمراء. وترتبط أنواع معينة من مرض السرطان مثل سرطان القولون بزيادة استهلاك اللحوم الحمراء، في حين ترتبط السمنة بالعديد من أنواع مرض السرطان، وقد لوحظ أن للنشاط البدني تأثيرا إيجابيا في الحد من مخاطر الإصابة بمرض السرطان بشكل عام. ويرتفع بشدة معدل الإصابة بالسرطان مع التقدم في السن، وترجّح منظمة الصحة العالمية أن تراكم مخاطر الإصابة بالسرطان يقترن بميل فعالية آليات إصلاح الخلايا إلى الاضمحلال كلّما تقدم الشخص في السن. وبيّن الدكتور شيبرد أن عوامل الخطر الشائعة الأخرى، التي يجب تجنبها، تشمل تناول التبغ والكحول؛ حيث يرتبط كلاهما بعدد كبير من أنواع مرض السرطان؛ فالتدخين، على سبيل المثال، ليس فقط عامل خطر للإصابة بمرض سرطان الرئة والمريء، ولكنه مرتبط أيضا بأنواع أخرى من مرض السرطان بما في ذلك سرطان المثانة؛ حيث يشكل التدخين عامل خطر رئيسيا بسبب تواجد المواد المسرطنة في البول. وتقدّر منظمة الصحة العالمية أن التبغ مسؤول عن 25 في المئة على الأقل من جميع الوفيات الناتجة عن مرض السرطان على مستوى العالم. ونوّه الدكتور شيبرد إلى أن اتّباع نمط حياة صحي يعتبر أمرا في غاية الأهمية حتى في حال تم تشخيص إصابة المرء بمرض السرطان، فمن المرجّح أن تكون نتائج العلاج أفضل إذا كان المريض لائقا صحيا قدر الإمكان عند شروعه في جلسات العلاج، كما أن اتباع نمط حياة صحي يساعد أيضا في تقليل احتمالية انتكاس المريض مرة أخرى. كما أن التغييرات الصحية في نمط الحياة لها تأثير إيجابي كبير في تقليل مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري. وتابع الدكتور شيبرد قائلا “بالإضافة إلى التعديلات والتغييرات المتعلقة بنمط الحياة، يمكن للأفراد حماية أنفسهم من خلال الالتزام بإجراء الفحوصات اللازمة للكشف المبكر عن مرض السرطان وبدء العلاج مبكرا، الأمر الذي يساهم في تحسين النتائج النهائية. فعندما يتم اكتشاف الإصابة بالمرض مبكرا، يكون الورم السرطاني موضعيا ولم ينتشر بعد إلى أجزاء أخرى من الجسم، ويمكن نظريا إزالته تماما من خلال العلاج الإشعاعي أو الجراحة، ولكن إذا تم تشخيص مرض السرطان في المرحلة الرابعة – بمعنى أنه قد انتشر بالفعل في جميع أنحاء الجسم – فستكون هناك حاجة إلى أحد أشكال العلاج الكيميائي، والذي يتم من خلاله علاج الجسم بأكمله بأدوية يمكنها التحكم في نمو الورم والأعراض المرتبطة به، إلّا أنه سيكون من الصعب إزالة الورم السرطاني بأكمله”. وأشار شيبرد إلى أن هناك مبادئ توجيهية جيدة أثبتت فعاليتها في الكشف عن سرطان عنق الرحم والقولون والصدر وسرطان البروستاتا. وبالنسبة إلى المدخّنين، يتم عادة فحص سرطان الرئة، ويمكن للمرضى التشاور مع أطبائهم لمناقشة ملف المخاطر والتاريخ الطبي لتحديد الفحوصات اللازمة. تطورات مبشّرة Thumbnail وقال الدكتور شيبرد إن “من المحتمل أن يتم الاعتماد على الاختبارات الجينية في المستقبل لتحديد الأشخاص، الذين ربما يستفيدون بشكل أفضل من الفحوصات الخاصة بالكشف عن مرض السرطان. وسيكون هذا مفيدا بشكل خاص للمرضى، الذين يصابون بمرض سرطان القولون في العشرينات والثلاثينات من العمر؛ لأن هذه الفئات العمرية لا يتم فحصها عادة للكشف عن مرض سرطان القولون”. وأضاف “إضافة إلى ذلك بدأنا مؤخرا باستخدام الاختبارات الجينية أيضا لتحديد طريقة العلاج، ونقدم في ‘كليفلاند كلينك’ للمرضى منصة اختبارات جينية متقدمة كمعيار للرعاية. ونحن نتعلم المزيد عن مرض السرطان على مستوى الحمض النووي، لذلك من المحتمل أن نعالج السرطان في المستقبل بناءً على خصائص الورم نفسه، بدلاً من منطقة الجسم التي يوجد فيها. ونجري حالياً تجارب سريرية لاختبار العلاجات، التي قد تستهدف هذه التغييرات الجينية، التي يتم التوصل إليها من خلال الاختبارات الجينية”. ومن بين التطورات الأخرى في الفحوصات الخاصة بالكشف عن مرض السرطان، أشار الدكتور شيبرد إلى أن مستشفى “كليفلاند كلينك” شارك، مؤخراً، في تجربة لتقييم الاستخدام السريري لاختبار جديد عن طريق الدم يمكنه اكتشاف أكثر من 50 نوعاً من مرض السرطان في مراحله الأولى، حيث يمكن العمل على توسيع هذه الأنواع من الاختبارات وتطويرها.
مشاركة :