قال الطبيب سعيد السماهيجي، إن حال الكادر الطبي على خلفية أزمة فبراير/ شباط 2011، يعبر عن ثروة ضائعة ومضيعة في مملكة البحرين. وفي حواره مع «الوسط»، تحدث طبيب العيون السماهيجي عن تجربته، مبيناً بقاءه بعيداً عن معشوقته (مهنة الطب)، وذلك بعد خبرة تمتد لـ 30 عاماً، أجرى خلالها أكثر من 5 آلاف عملية جراحية. وتطرق السماهيجي لإصابته بنزيف شديد في المخ، لحظة تواجده في السجن، وكان بسبب ذلك على مشارف الموت، حيث يقول «على إثر إصابتي بنزيف في المخ، رأيت الموت بعيني، فحوالي 93 في المئة من المصابين بنفس حالتي يموتون، و7 في المئة فقط هم من تكتب لهم حياة جديدة، وهذا ما قدر الله لي».تمرَّدتُ على الغرف المغلقة... وعلمانيتي هوية ثابتةالسماهيجي لـ «الوسط»: عاطل بعد 30 سنة وأكثر من 5 آلاف عملية... و«الكادر الطبي» ثروة مُضيَّعة مدينة عيسى - محمد العلوي قال الطبيب سعيد السماهيجي، إن حال الكادر الطبي على خلفية أزمة فبراير/ شباط 2011، يعبر عن ثروة ضائعة ومضيعة في مملكة البحرين. وفي حواره مع «الوسط»، تحدث طبيب العيون السماهيجي عن تجربته، مبيناً بقاءه بعيداً عن معشوقته (مهنة الطب)، وذلك بعد خبرة تمتد لـ 30 عاما، أجرى خلالها أكثر من 5 آلاف عملية جراحية. وتطرق السماهيجي لإصابته بنزيف شديد في المخ، لحظة تواجده في السجن، وكان بسبب ذلك على مشارف الموت، حيث يقول «على إثر إصابتي بنزيف في المخ، رأيت الموت بعيني، فحوالي 93 في المئة من المصابين بنفس حالتي يموتون، و7 في المئة فقط هم من تكتب لهم حياة جديدة، وهذا ما قدر الله لي». بعيداً عن المهنة، تطرق السماهيجي، لنشاطه السياسي الذي يعود لـ 5 عقود، مؤكداً ثبات هويته العلمانية، قبل 14 فبراير وبعده، ولافتاً إلى تمرده على داء التيار الديمقراطي في البحرين، ممثلاً في «تقوقعهم في الغرف المغلقة»، على حد وصفه. وفيما يلي نص الحوار: * تقترب أزمة البحرين من إكمال عامها الخامس، فكيف هي التداعيات المستمرة على الكادر الطبي، والطبيب سعيد السماهيجي بالتحديد؟ - قبل الحديث عن التداعيات، أود الإضاءة سريعاً على ما جرى علي شخصياً، فبعد اعتقالي من قسم الطوارئ في مجمع السلمانية الطبي في (12 أبريل/ نيسان 2011)، تم التحقيق معي في قسم المباحث والتحقيقات الجنائية في العدلية، وتم التنكيل بي وتعذيبي، وفي أغسطس/ آب من العام نفسه، أصبت في توقيف الحوض الجاف بنزيف شديد في المخ، وذلك لأكثر من سبب، شملت التعذيب (الضرب على الرأس)، عدم مراعاة وضعي الصحي حيث أشكو من ضغط الدم، والحالة النفسية التي عشناها داخل السجن. وبالمناسبة، فإن الفضل بعد الله في إنقاذ حياتي يعود للطبيب حسن التوبلاني الذي اكتشف حالة النزيف التي أعانيها والتي كانت تقابل من قبل أطباء الحوض الجاف بالإنكار بذريعة «أنني أُمَثِلْ!». على إثر اكتشاف الحالة، تم نقلي لمستشفى قوة الدفاع ومنه لمستشفى السلمانية، وهناك رأيت الموت بعيني، فنحو 93 في المئة من المصابين بنفس حالتي يموتون، و7 في المئة فقط هم من تكتب لهم حياة جديدة، وهذا ما قدر لي. وفيما يتعلق بالمحاكمات، فبعد تحويلنا على المحاكم المدنية تم تخفيض الحكم الصادر بحقي من 10 سنوات إلى سنة، ففي (2 أكتوبر/ تشرين الأول 2012) أدخلنا السجن، وقبل ذلك في (24 يونيو/ حزيران 2012)، جاء قرار إقالة الكادر الطبي من قبل قبل وزارة الصحة، وعددنا 9. * وكيف هو الوضع المهني اليوم؟ - بعد قضائي مدة الحكم، راجعت وزارة الصحة في (23 أبريل/ نيسان 2014)، لتعلمني الوزارة بقرار الإقالة، ونتيجة ذلك انتهت بتقاعدي عن العمل، وضياع جزء من حقوقي الوظيفية بسبب التهم المرتبطة بالقضايا الجنائية. حدث ذلك بعد 28 سنة من الخدمة، (23 سنة فعلية، و5 سنوات عن طريق الشراء)، ففي (17 يوليو/ تموز 1980)، بدأ مشواري المهني مع وزارة الصحة، ولأسباب أمنية غادرت البحرين عائداً لموسكو للتخصص، وهناك تمكنت من الحصول على شهادة (FRCS) الروسية في تخصص طب وجراحة العيون، لأعود بعدها للإمارات سنة 1984 وهناك اعتقلت لمدة 3 شهور، على خلفية نشاطي مع جبهة التحرير الوطني البحراني حيث كنت عضواً قيادياً فيها. * هذا الحديث يعني أن السماهيجي ليس حديث عهد بالنشاط السياسي، تحديداً بعد 14 فبراير/ شباط 2011؟ - أبداً، فمنذ أن كان عمري 14 عاما، انخرطت في العمل السياسي المؤسساتي، وبوابة ذلك كانت من خلال الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الداخل في 1968، وفي الخارج في بغداد سنة 1974. بعد انتهاء الشهور الثلاثة في الإمارات، تم تسليمي للسلطات البحرينية، لأقضي 3 شهور أخرى في الحبس، وحين أطلق سراحي بقيت لمدة 5 سنوات بلا عمل كطبيب، ما اضطرني لعدم الجلوس، فعملت صحافياً ومترجماً ومخلص معاملات وسمسار، ولم أمد يد الحاجة لأحد حتى والدي. * وماذا عن وضعك المعيشي، اليوم؟ - أنا الآن متقاعد عن العمل، وبعد أن كنت أتقاضى راتباً شهرياً يصل إلى 3 آلاف دينار، أستلم حالياً راتباً تقاعدياً لا يبلغ الألف دينار، وبشكل عام، فإن ما استلمته من حقوق وظيفية لا يتجاوز الـ 60 في المئة من مجموعها. * هل تمارس عملك كطبيب؟ - أنا الآن خارج الدائرة الطبية، مقعد في البيت، والسبب هو خروجي مؤخراً من السجن، ولدي رغبة في التقدم بطلب استعادة رخصة ممارسة عملي كطبيب من قبل وزارة الصحة، والالتحاق بعد ذلك بأحد مراكز العيون أو أي مستشفى خاص. وفي الحديث حول مشواري الطبي، لست في وارد كيل المديح لنفسي، لكنني وفيما يتعلق بالجراحة للأجزاء الأمامية من العين، أصنف كأحد أبرز الأطباء على مستوى البحرين، ويشمل ذلك عمليات الماء الأبيض، زرع القرنية، الماء الأسود، القنوات الدمعية، وإصابات العيون جراء الحوادث. وخلال السنوات الـ 23 التي عملتها كطبيب، أجريت أكثر من 5 آلاف عملية، بما في ذلك 20 عملية خلال أحداث 14 فبراير، بصفتي طبيباً مختصاً وعضواً في لجنة الكوارث التابعة لوزارة الصحة. ليس ذلك فحسب، فمن خلال عملي في الوزارة، دربت 20 طبيباً هم الآن ينافسون الاستشاريين. * هل ترى أن كل هذه الخبرة، باتت ضائعة ومضيعة في البحرين؟ - نعم، ولا أتحدث هنا عن نفسي وحسب، بل عن الكادر الطبي بشكل عام. * ولكن ألا ترى أن توقفك أو إيقافك عن العمل، ستكون له تداعياته على ما تملك من مهارات ودراية؟ - بشكل عام يبدو هذا الكلام سليماً، فالطب مهنة المستجدات العلمية باستمرار، لكن على الصعيد الشخصي، فإن ما بحوزتي من خبرة تكونت بعد إجراء آلاف العمليات الجراحية، تجعلني واثقاً من قدرتي على عدم الخوف أو القلق من ضياع كل ذلك، وما أتمناه من السلطات البحرينية، أن تستفيد من الثروة الطبية التي هي في صالح البلد والشعب. أود هنا، الإشارة لحالة العشق التي تربطني بوظيفة الطب، حتى أنني وبفضل ذلك، أتلذذ في إجراء العمليات، وأجري تحسينات على العملية نفسها، ومتابعاتي للمستجدات العلمية هي في الوقت الجاري أقل مستوى مما كانت عليه في السابق. * الحديث حول محطة فبراير 2011، سيدفعنا بالتأكيد للسؤال عن تقييمك لأداء الكادر الطبي، والذي يواجه تهمة الخلط بين العمل الطبي من جانب والنشاط السياسي من جانب آخر. ألا ترى أنكم بحاجة لوقفة مراجعة إزاء ذلك؟ - لا عيب في مراجعة الأداء فالاعتراف بالأخطاء فضيلة، لكننا ككادر طبي لم نخطئ في حق الوطن والشعب، وعلى العكس من ذلك، فقد أدينا ما علينا من واجب يفرضه علينا القسم الطبي، ولم يكن معقولاً ولا مقبولاً أن نرى مجروحاً او مختنقاً جراء الغازات، ونتركه بلا علاج. نحن هنا نتحدث عن جرحى، والواجب يقتضي التعامل مع الإنسان كإنسان بعيداً عن أية انتماءات فرعية، وهذا بالضبط ما قمنا به. * لكنكم لم تكتفوا بالدور الطبي، وأضفتم لذلك نشاطاً سياسيا. - صحيح، فما بداخل قلوبنا من حس تجاه الوطن، دفعنا للقيام بالواجب، لكننا نؤكد على حرصنا على عدم الإضرار بأحد، وكنا محايدين في عملنا، أما مواقفنا فنراها شريفة مقدسة، بل إننا نرى أن على كل طبيب الاقتداء بما قمنا به، وإلا أين هي إنسانية الطبيب؟ * أيعني ذلك، قناعتك بصحة كل ما قمت به؟ - نعم، أنا أزداد قناعة حيال ما قدمته، فربي راضٍ عني، والوالدة والأهل والوطن والناس راضون، وهل هنالك أكثر من هذا؟ أما التهم الموجهة ضدنا فجميعها باطلة، ونحن ككادر طبي، نمثل نقطة بيضاء ساطعة في تاريخ البحرين، وهذا ما سيشهد به التاريخ لنا، حيث سيدون أن هنالك أطباء مخلصين لوطنهم، قدموا التضحيات، رغم الضريبة الباهظة التي دفعوها. وهنا، أود الإشارة إلى أننا وقعنا ضحايا للمشكلة الطائفية، وأنا شخصياً على علاقة نسب عائلي متنوعة المذاهب، وهذا دليل افتراء الإعلام بحقنا في كل ما تم الترويج له من تهم. * وبأي عين ينظر السماهيجي للمستقبل؟ - رغم التراجعات على الصعيد المعيشي، إلا أنني متفائل دائماً، فالحقوق المشروعة ستعود لأصحابها والبحرين ستنهض بجميع أبنائها. * لو تطرقنا لتأثيرات 14 فبراير 2011 عليك، ألا ترى أننا أمام تغيرات أيديولوجية قد تكون كبيرة؟ - أنا علماني الهوى والهوية، لكنني مؤمن باستراتيجية قريبة المدى تقتضي الاتفاق مع الآخر، واستراتيجية بعيدة المدى تفسح المجال لظهور التباينات في وجهات النظر، وعنواني العام هو الرغبة في أن يعيش الناس سواسية، أما شعاري فالسعي لوطن حر وشعب سعيد. * فكرياً، ألم ينقلك 14 فبراير من ضفة لأخرى؟ - أيديولوجيتي ثابتة، وهي علمانية، لكنها في الوقت ذاته تتصف بالمرونة بدل التعصب، وهي بفضل ذلك تدفعني للتعاون مع الجميع على اعتبار أننا نسعى لهدف واحد. * ألا تعتقد أن هذه المرونة، جاءت على حساب الهوية؟ - على العكس من ذلك، فمن أجل تحقيق هدفك النهائي أنت مطالب بالتعاون مع الجميع، ودخولي مع «المختلفين فكرياً»، يسهم في رفع الوعي السياسي والنضالي، وخاصةً أننا نتحدث عن خبرة ممتدة أسس لها انتماؤنا لأحد أعرق الأحزاب السياسية، ممثلاً في جبهة التحرير الوطني البحرانية. كذلك، أشير إلى ان حالة الانفتاح على الآخر، تأتي في إطار البحث عن الفضاءات، بدل التقوقع في الغرف المغلقة والتي هي في الحقيقة داء يعاني منه التيار الديمقراطي في البحرين وممثلوه. * إذاً أنت تنظر لنفسك، متمرداً على الغرف المغلقة؟ - نعم، خرجت منها وانفتحت على الجماهير دون تفريط في هويتي الفكرية العلمانية، دافعي في ذلك التعاطف مع كل مظلوم والمطالبة بإنصافه. هنا، أشير إلى أن ايماني بالاشتراكية، لا علاقة له بالايمان بالخالق، فالنظام الاشتراكي عبارة عن نظام سياسي اقتصادي انساني، دون الدخول في خصوصية ايمان المرء بربه، فأنا شخصياً مؤمن بالخالق، أصلي وأصوم، والتزامي بالثوابت الدينية سابق لـ 14 فبراير. لكنني ورغم اشتراكيتي، خارج نطاق الحزبية، ونشاطي ينطلق من حرية تفكيري وعملي بين الجماهير، باحثاً من خلال ذلك عن المساحة الإنسانية المشتركة.
مشاركة :