هى لحظة أخرى كاشفة من لحظات مواجهة الحقيقة. تمكن الطفل الفقير، صغير البنية، القاطن فى نقطة مهملة من العالم كله، مثل كثير من المناطق. عانى مع أهله، مثله كثيرون فى العالم، من صعوبة العيش وعدم توفر إمكانيات الحياة الكريمة. سقط الصغير ريان ذو الأعوام الخمسة فى بئر بقرية «إجران»، قرية صغيرة مجهولة شمالى المغرب، بعد جهود شملت إزالة جزء كبير من تل مجاور، قبل حفر نفق باتجاه قاع البئر للوصول إليه. وظل رجال الإنقاذ يعملون بلا كلل تحت تهديد خطر دائم يتمثل فى احتمال حدوث انهيار أرضى أثناء جهودهم. ولدقائق معدودة امتلأت أجواء معظم أنحاء العالم الذى كان يتابع عملية الإنقاذ بهجةً وإحساسًا عميقًا بالارتياح، وذلك عندما تم الإعلان عن إنقاذ ريان وخروجه من البئر. ويبدو أن القدر من خلال الطفل أبى أن يستمر هذا الإحساس بالارتياح، فأُعلن بعدها عن وفاة ريان، وكأن ترك العالم لتلك الحالة من راحة الضمير سيكون سببًا فى استمرار تغييب هذا العالم أو من يديره عن مسؤوليته تجاه ما يحدث لأطفال العالم. وقالت أم ريان إنه طلب منها قبل الواقعة أن يتناول الطعام مع العائلة، حيث إنه كان يشعر بالجوع رغم تناوله الطعام وحده: «آخر مرة جاء لعندى وقال لى إنه لم يشبع ويريد أن يتناول الطعام معنا، وفعلًا أكل معنا». وقد تكون هذه مناسبة للتذكير بأرقام نعيش معها ولا ندركها فى معظم أوقاتنا. وهذه الأرقام هى أرقام من منظمات دولية. يتسبب الجوع فى وفاة 3.1 مليون طفل تحت الخامسة كل عام، أى 45% من معدل وفيات الأطفال عالميًا. يتأثر 16 مليون طفل سنويًا بسوء التغذية الحاد. يعانى 1 من كل 6 أطفال فى البلدان النامية من نقص الوزن بسبب سوء التغذية. يعانى ربع أطفال العالم من التقزم بسبب قلة الغذاء، وترتفع النسبة إلى واحد من كل ثلاثة. يذهب 66 مليون طفل إلى المدرسة الابتدائية وهم جوعى، منهم 23 مليون طفل فى إفريقيا وحدها. يلزم 3.2 مليار دولار فقط كل عام لتوفير الغذاء لـ66 مليون طفل جائع فى سن المدرسة. بحسب منظمة «اليونيسيف» فإن سوء التغذية الحاد هو «الشكل الأبرز لنقص التغذية، ويظهر على وجه الطفل وهيكله العظمى، ويتطلب معالجة عاجلة ليتمكن الطفل من البقاء». وتتابع المنظمة: «فى جميع أنحاء العالم يتأثر ما يقدر بنحو 16 مليون طفل تحت سن الخامسة من سوء التغذية الحاد». هذا الرقم مذهل، والأهم من ذلك أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد عرضة للوفاة بتسع مرات أكثر من الأطفال الذين يحصلون على غذاء جيد. وتكون هذه الوفيات نتيجة مباشرة لسوء التغذية فى حد ذاتها. هذه لحظات نستعيد فيها حقائق تغيب عنا نبهنا لها طفل صغير دون أن يدرى.