ياسر الغبيري محذرا: المخططات الأميركية لا تزال مستمرة بالعبث بالعالم العربي

  • 2/11/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ستظل ثورات ما أطلق عليه الربيع العربي مثار العديد من الدراسات والقراءات التحليلية والتساؤلات، بحثا في أسبابها ودوافعها الداخلية والإشكاليات الخارجية التي ساهمت في تأجيجها ودفعت بأفكارها ومصالحها ومن ثم عناصرها الداخلية والخارجية للعبث بمقدرات الشعوب، لنرى هذا المشهد المعقد والملتبس الذي نراه في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسودان وتونس والجزائر ولبنان.. إلخ، وكان من نتائجه النزاعات والحروب بالوكالة وتهديد الدولة الوطنية.  وهذا الكتاب للباحث والإعلامي ياسر الغبيري يكشف الكثير من أبعاد وملامح ما ترزخ تحت وطأته الأنظمة العربية وشعوبها المشار إليها سابقا وغيرها أيضا من مؤامرات لا تزال مخططاتها فاعلة ومستمرة، حيث يطرح أكثر التساؤلات غموضا وإثارة للجدل ويحاول الإجابة عليها من خلال رؤية شاملة متكاملة تبحث في دور تلك المخططات الخارجية وعلاقتها بالداخل العربي. منبها ومحذرا من أن الأمر لم ينته بعد. تنطلق رؤية الغبيري في كتابه الصادر أخيرا عن دار نشر مركز الإنسان من المخططات الأميركية بدءا بمخطط المستشرق البريطاني اليهودي الاميركي الجنسية برنارد لويس، ووثائق "كيفونيم" الإسرائيلية، ومشروع "الفوضى الخلاقة – الشرق الاوسط الكبير" وما استهدفته من تقسيم وتفتيت الدول العربية، وما ترتب عليهما من غزو للعراق وفتح الباب لدعم تيارات الإسلام السياسي وبعض منظمات المجتمع المدني الموالية للتوجهات الأميركية والغربية عامة وتعزيز وجودها ماليا وسياسيا وإعلاميا في مصر وسوريا وتونس. ويتوقف مع الدور الذي لعبته منظمات المجتمع المدني الأميركية كاشفا عن تركيبة علاقاتها داخل أروقة الحكم حيث تشاركها في سياساتها الخارجية التآمرية مثل مؤسسة فريدوم هاوس، ومؤسسة المجتمع المفتوح وغيرها. وتستمر رؤية الغبيري لتصل إلى البديل الذي جهزه الأميركان ليحل محل الأنظمة القائمة سواء في مصر أو سوريا أو تونس أو اليمن، استعدادا ليجتاح هذا البديل مجمع الدول العربية، هذا البديل المتمثل في جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.  ليذهب بعد ذلك لتحليل ما جرى في مصر راصدا بالتواريخ فوضى العنف ونتائجه في الأرواح والممتلكات، وتأثيراته الاجتماعية والسياسية.  كما يتناول الخطابات التي صدرت عن رؤساء وزعماء عرب إبان اندلاع الثورات وما قبلها خاصة خطابات صدام حسين وجمال عبدالناصر عقب نكسة 1967. يوثق الغبيري لرؤيته التحليلية حيث لا يتكفي بالوقائع والأحداث ومجريات الأمور قريبة العهد بتلك الثورات، ودون أن يغفل دور المخططات الأميركية في المنطقة منذ الستينيات.  ومن هنا يتوقف مع جمال عبدالناصر وما جرى إبان النكسة وموقفه وموقف الشعب المصري، وكذا مع صدام حسين والتلفيقات الأميركية التي تم البناء عليها لغزو العراق واحتلاله.  ويتتبع بعد ذلك ما جرى في تونس وليبيا واليمن والسودان محللا خطابات زين العابدين بن علي ومعمر القذافي وعبدالله صالح وعمر البشير. يتساءل الغبيري هل تريد واشنطن بالفعل دولا وأنظمة عربية وإسلامية ديموقراطية أم أن الديموقراطية هي الفخ الذي تنصبه الإدارة الأميركية للدول العربية للوقوع في شباك الفوضى الخلاقة ومشروعات التقسيم والتفتيت؟.  ويرى أن الإجابة على هذا التساؤل يقدمها لنا المشهد في سوريا واليمن والعراق وليبيا. إن كانت الفوضى الخلاقة حالة سياسية أو إنسانية، يتوقع أن تكون مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة الأحداث، إذن هي أحداث متعَّمد لفوضى بقصد الوصول إلى موقف أو واقع سياسي يرنو إليه الطرف الذي أحدث الفوضى وفق خطط محكمة، وهو أمر أقرب إلى مفهوم "الإدارة بالأزمات" المتعارف عليه في هذا المضمار، أي افتعال الأزمة أولا، ثم العمل على إدارتها بالتدريج لبلوغ مصالح محددة سلفا .إنها خطة تفكيك للدول والأنظمة الحاكمة بطريقة تتيح الولوج إلى مكوناتها الأساسية وعناصرها الصلبة والرخوة والسيطرة على جميع مفاصل الدولة لتقويضها جزئيا أو كليا وإعادة تشكيلها مجددا بما يخدم مصالح صاحب نظرية الفوضي الخلاقة والمخطط لها، والذي هيأ الظروف لتنفيذها على أرض من خلال عناصره التي تعمل على الأرض. ويؤكد أنه بناء على هذا التصور وبهذه الطريقة تعد الفوضى الخلاقة وما يستتبعها من مخططات ومشروعات تقسيم منظومة قائمة على تفكيك الأوطان وإعادة بنائها مرة أخرى وفق تصورات ومخططات الأنظمة والمنظمات التي تمتلك مفاتيح اللعبة، لذا فإن منظومة الفوضى الخلاقة تقوم وترتكز على مجموعة من المبادئ الأساسية لتحقيق أهدافها:  المبدأ الأول تأجيج الصراع العرقي والطائفي، فهو المدخل الهين والأقرب للبدء طالما توافرت القابلية لذلك، أو هان أمر استنباتها وتأجيجها والنفخ فيها لتبلغ مستويات اللاعودة، إن التركيبة العرقية لا تنفجر ـ وفق منظور دعاة الفوضى الخلاقة ـ من تلقاء ذاتها ولا بصورة عفوية، بل هي ترسبات نفسية دفينة، يجب الاشتغال عليها لإحيائها وتقييمها والدفع بها إلى أقصى مدى، كي تبدو وكأنها تعبير طبيعي عن واقع كان مضمرا، وآن الأوان لمظهرته وتجليته، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسات أنثروبولوجية دقيقة لطبيعة وتركيبة المجتمع المستهدف من هذه الفوضى. المبدأ الثاني: تأجيج العصبيات، وهي عملية متدرجة في الزمن وفي آليات التنفيذ، وتبدأ بتقويض ركائز الدولة الواحدة لتستبدل بها الولاءات الحزبية الضيقة، أو الانغلاقات الطائفية والعشائرية والقبلية، فيتحول الولاء للدولة الواحدة الموحدة إلى ولاءات متجزأة لكيانات بدائية، تدفع بـ "قيم" اللهجة أو اللغة أو الهوية أو الحاضنة الاثنية أو ما سواها بغرض التمايز والتميز عن بقية مكونات البلد، مثل الانقسامات التي حدثت في مصر إبان ثورة 25 يناير، وما حدث في ليبيا والعراق وسوريا واليمن. المبدأ الرابع زعزعة الوضع الاقتصادي والمالي والعمل على بث الشك في المؤسسات المصرفية والائتمانية، وتشجيع المعاملات المالية في السوق السوداء، وضرب كل مكامن الثقة في العملة الوطنية، ما ينتج عنه انهيار كامل في الاقتصاد الوطني ومن ثم دخول الدول في دوامة إ علان الإفلاس. المبدأ الخامس: العمل على واجهة "القوة الناعمة"، والقصد هنا إعمال الآلة الإعلامية والاتصالية للترويج للوعود التبشيرية والخلاصية التي تحملها "المنظومة الجديدة" المنظومة التي تخدم أهداف مصدر الفوضى الخلاقة بطبيعة الحال، وكيف أنها صكت قصدا لفائدة مبدأ تحرير الشعوب وتخليصها من النظم الشمولية، وتثمين وتأمين حقها في الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذه المبادئ لا تزال تعمل ويحذر الغبيري من أن تلك الآلة الجهنمية لمنظومة الفوضى الخلاقة لا تزال تشتعل لتعميم القتل ونشر الدمار وتقويض كل الروابط المنسوجة مع الدولة أو مع الوطن.  ويشير إلى أن نقص الوعي السياسي هو ما جعل منظمة الإخوان المسلمين تحتل المركز الأول في الاختيارات التي وضعها الغرب لتنفيذ نظرية الشرق الاوسط.  ولعل الأسباب لذلك كثيرة منها: أن تعطش تنظيم الإخوان للحكم يجعله مستعدا للموافقة على جميع التنازلات السياسية، وهذا ما حدث فعلا، فعلى سبيل المثال طمأنت الجماعة الغرب بشأن موقفها من إسرائيل قبل أن تصل للحكم بعشر سنوات تقريبا من خلال مرشدها في ذلك الوقت مهدي عاكف الذي صرح لوكالة "أسوشيتد برس" بأن الجماعة ملتزمة باتفاقية السلام مع إسرائيل في حال وصولها للحكم". ويضيف أن جماعة الإخوان المسلمين مثلت الخيار الأنسب لتحقيق الفوضى الخلاقة بالنسبة للغرب، ما كشف عن ضعف فكري ساهمت فيه السياسة العربية والتي تعتقد أن تدين الشعوب الجاهلة هو المسار الوحيد للسيطرة عليها، وهذا خطأ استراتيجي يصعب الخالص منه اليوم، كما أن الإخوان كجماعة، على مستوى التنظيم، تأخذ شكل شبكة، وهي منظمة دولية تطرح نفسها بأنها ذات توجه إسلامي، ما يجعلها أداة مناسبة لتنفيذ ذلك المخطط وفقا لارتباطاتها السابقة بالإنكليز وغيرهم في تجارب عديدة، ووفق لاستعدادهم لتقديم أي تنازلات في سبيل ذلك، كما أنها جماعة تعتمد على هامش كبير من المراوغة والمرونة والتحول، وهي في تنظيمها تشبه نمط الجمعيات الماسونية السرية. ويلفت الغبيري إلى أننا أمام مخطط كبير وواسع تشارك فيه أطراف عديدة، وترعاه الولايات المتحدة الأميركية من أجل عيون إسرائيل، التي تسهم في المخطط بكل ما أوتيت من قوة ودهاء، يضاف إلى الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لتدعيم مصالحه العديدة في المنطقة، والاتحاد الأوروبي يعني أننا أمام مواجهة مع المخابرات البريطانية والألمانية ودخل على الخط التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الذي يحلم بدولة ولو على سبر ماء فقط، تأتي بعد ذلك تركيا التي تريد أن تدفع مهر انضمامها للاتحاد الأوروبي بأي ثمن، ثم دويلات صغيرة تحلم بأن يكون لها دورا مؤثرا في المنطقة على حساب الدولة الكبرى مصر، تلك الدويلات تساهم بشكل أو بآخر في دفع مخطط تفتيت المنطقة وإشاعة الفوضى بها. ويشدد على أن مصر كانت ولا تزال تواجه قدرا أكبر من أن يحتمل من الأخطار، بهدف تمزيق وحدة شعبها وإضعاف جيشها، بدأت بخطط برنارد لويس عام 1981 ولم تنه عند مشروع كونداليزا رايس حول الفوضى الخلاقة، ثم مفهوم المجتمعات عن طريق اختراق مؤسسات المجتمع المدني، وتسييرها وفق مخطط يهدف إلى تفتيت تلك الدول، وفي مقدمتها مصر، حتى جاءت ثورة يناير التي أسقطت النظام في 18 يوما، هي عمر الثورة الحقيقي والتي عاد بعدها المشاركون مرة أخرى لبيوتهم وأعمالهم، ليفسحوا المجال للمجلس العسكري لتولي شئون البلاد، لينكشف خلال هذه الفترة الوجه القبيح للإدارة الأميركية ومشروعها.  وبعد وصول الإخوان للحكم أصبح المشهد أكثر وضوحا، خرج الشعب المصري مرة أخرى في 30 يونيو رافضا هيمنتهم وبطشهم مفسدا عليهم مخططهم لأخونة مصر، لكن ألاعيبهم ومخططاتهم الغادرة مازالت مستمرة، ومازالوا يحلمون بإيجاد ثغرة في جسد المنطقة ينفذون منها نحو أهدافهم.  

مشاركة :