أثار استئناف المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، العام الماضي جدلا بين المحللين والخبراء الغربيين، بشأن الاستراتيجيات المختلفة التي قد تتبناها واشنطن حال فشلت المفاوضات مع طهران. وعند استئنافها، قال وزير الخارجية الأمريكي، «أنتوني بلينكين»، إن البيت الأبيض كان «في حالة وفاق» مع ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة في محاولة التوصل إلى اتفاق نووي، وأن إدارة بايدن تعتقد أن «الدبلوماسية هي أفضل طريقة» للتعامل مع التحديات، التي تشكلها طموحات إيران النووية. ومع ذلك، فإنه مع استمرار المحادثات في «فيينا»، طويلاً من دون التوصل إلى حل، أصبح «بلينكين»، واضحًا في أن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة». وأثار هذا بدوره الكثير من التعليقات، بشأن جدوى وفعالية ضربة عسكرية محتملة ضد المنشآت النووية الإيرانية. وانقسمت الآراء بشكل كبير حول ما إذا كان ينبغي على الرئيس «بايدن»، أو حلفائه في الشرق الأوسط، السعي إلى عمل هجومي، حال فشلت الدبلوماسية، بينما رأى آخرون أن خطوة كهذه، قد تؤدي إلى نشوب صراع مدمر طويل الأمد في الشرق الأوسط. وبهذا الصدد، قال «مارك دوبويتز»، و«ماثيو كرونيغ»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، إنه «إذا فشلت جميع الحلول الدبلوماسية، يجب أن يكون بايدن مستعدًا لتدمير برنامج إيران النووي، حيث إن تبعات الهجوم ضئيلة، مقارنة بالتهديد المتمثل في العيش مع نظام مسلح نوويا». ومن شأن السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية أن يشجعها على «تصعيد عدوانها الإقليمي»، والذي سيشكل خطورة على حلفاء واشنطن. وعليها، فإنه في ظل هذه المخاطر، واستمرار حالة عدم اليقين في مفاوضات فيينا، سيتعين على إدارة بايدن قريبا «تحديد قرار مصيري»، إما بالسماح لإيران أن تصبح «قوة نووية»، أو «استخدام القوة العسكرية لإجبارها على التوقف». من ناحية أخرى، ووفقا لـ«فرانك غاردنر»، من شبكة «بي بي سي نيوز»، فإن «إسرائيل لا تزال قلقة للغاية» من التهديد الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني وترسانتها من الصواريخ الباليستية، حيث يتحدث المسؤولون الآن علنًا عن إمكانية القيام بعمل عسكري ضد طهران. وعلى سبيل المثال، علق رئيس الموساد، «ديفيد بارنيا»، في ديسمبر 2021. بأن إسرائيل ستفعل «أي شيء لمنع إيران من صنع أسلحة نووية». وفي تقييم لتأثير ضربة محتملة، أشار «روبرت ليتواك»، من «مركز ويلسون» للأبحاث، إلى أن هناك «عددًا قليلاً» من الحالات التاريخية، التي «تم فيها تبني العمل العسكري لمنع حيازة نووية». وفي سياق الشرق الأوسط، كان أحد الأمثلة البارزة، التي حددها، هو قصف إسرائيل عام 1981 لمفاعل «أوزيراك» النووي العراقي، والذي أدى إلى تدميره قبل أن يصبح جاهزًا للعمل بشكل كامل، من دون أي رد مباشر من بغداد. وعلى الرغم من أن فعالية ضربة «أوزيراك»، «لا تزال موضع نقاش»، فقد أشار إلى أن «مؤيدي الخيار العسكري» غالبًا ما يستشهدون بهذه الهجمة، كحالة ناجحة من الممكن القيام بمثلها ضد إيران. ومع ذلك، حذر «ليتواك»، أيضًا من أن هذه كانت «حالة نادرة»، حيث «كانت جميع الظروف الرئيسية للنجاح مواتية، والمتمثلة في: «معلومات استخبارية محددة ودقيقة للغاية حول الهدف، واحتمالية ضئيلة لخطر الانتقام أو أضرار جانبية، قد تلحق بالبيئة والسكان المدنيين». وفي الحالات الأخرى، التي نظرت فيها الولايات المتحدة إلى القيام بعمل عسكري ضد الدول التي لديها برامج نووية ناشئة، لاحظ «ليتواك»، أن واشنطن تميل إلى «الامتناع»؛ بسبب «خشيتها من المخاطر التصعيدية المؤكدة». وفي حالة الضربة المقترحة ضد إيران، أوضح «عبد الرسول ديفسلار»، من مركز «روبرت شومان للدراسات المتقدمة»، أنه سيحدث في «بيئة استراتيجية مختلفة اختلافًا جوهريًا» عن تلك التي وقعت عام 1981. كونها أقل تفضيلاً إلى حد كبير للضربات العسكرية. وأشار «ليتواك»، إلى أن هناك «مسؤوليات كبيرة»، مرتبطة بـ«الخيار العسكري محل نقاش علني». وعلى سبيل المثال، توقع أن يؤدي الهجوم إلى عرقلة برنامج إيران النووي وليس تدميره. وبالمثل، اقترح «ماثيو بون»، من كلية «جون كنيدي»، بجامعة هارفارد، أن توجيه ضربة عسكرية من شأنه أن يعيد طهران إلى الوراء من سنتين إلى خمس سنوات»، لكن هذا سيكون «أقل مما يمكن أن يوفره اتفاق تفاوضي». وفي حين رأى « دوبويتز»، و«كرونيغ»، أن «لدى واشنطن خيارات عسكرية فعالة»، فقد اعترض محللون آخرون على هذا التأكيد. وشكك «بون»، في جدوى مثل هذه الضربة، مشيرًا إلى أن الهجوم العسكري الناجح يجب أن يكون بالضرورة «عملية جوية كبيرة ومعقدة»، تستهدف مواقع نووية متعددة، بالإضافة إلى نظام الدفاع الجوي «الواسع»، وهو «أكثر صعوبة بكثير من »الهجوم على مفاعل «أوزيراك»، سالف الذكر، على الرغم من القوة العسكرية للولايات المتحدة. وأضاف «ديفسلار»، أن الأخير كان يمثل «هدفا سهلا ومنفردًا»، عندما تعرض لهجوم من قبل القوات الإسرائيلية، مقارنة بما هو مطلوب ضد المنشآت الإيرانية الحالية. ووفقًا لـ«رونين بيرغمان»، و«باتريك كينجسلي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن قدرة إسرائيل الحالية على شن هجمات واسعة النطاق على المنشآت النووية الإيرانية «محدودة» أيضًا، حيث إن «كبار المسؤولين العسكريين والخبراء الإسرائيليين»، قلقون من أن بلادهم «تفتقر إلى القدرة على شن هجوم »يمكن أن يدمر أو يعوق برنامج طهران النووي. علاوة على ذلك، رأى «ريليك شافير»، الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الإسرائيلي، أنه سيكون «من الصعب للغاية»، الشروع في هجوم ناجح على جميع المنشآت النووية الإيرانية. وعلى الرغم من الإجراءات العملية، أكد «بون»، أن الضربة العسكرية، ستثير بشكل مؤكد، كلا من «الانتقام»، وربما «الانطلاق نحو خط النهاية في البرنامج النووي» من قبل طهران. وفيما يتعلق بموضوع الانتقام المحتمل، حذر الجنرال «كينيث ماكنزي»، قائد القيادة المركزية الأمريكية، من أن «القدرة الاستراتيجية لإيران هائلة الآن». وعلى وجه الخصوص، أصبحت قدرتها على شن هجمات عبر المنطقة من خلال برنامج الصواريخ الباليستية كبيرة الآن. ولاحظ «روبن رايت»، من مركز «ويلسون»، على سبيل المثال، كيف أنها ركزت في السنوات الأخيرة على تطوير صواريخ ذات مدى أطول ودقة عالية وقدرة تدميرية أكبر. وبالمثل، علق «روب مالي»، المبعوث الأمريكي لشؤون إيران، قائلاً: «لقد أثبتت أنها تستخدم برنامج الصواريخ الباليستية كوسيلة لإكراه جيرانها أو ترهيبهم». وبالإضافة إلى قدراتها الواسعة في مجال الصواريخ الباليستية، تستطيع إيران أيضًا الاعتماد على شبكتها من الوكلاء في جميع أنحاء المنطقة والعمل على تزويدهم بالأسلحة والموارد، بما في ذلك «الطائرات المسيرة فائقة الدقة». وأوضح «مالي»، أن واشنطن «قلقة من الدرجة التي وصلت إليها إيران، وباتت تتقاسم من خلالها أسلحتها المتطورة مع وكلائها». ويعتبر الهجوم بالطائرات المسيرة على منشآت نفطية في أبو ظبي والذي شنه المتمردون الحوثيون، «دليلاً»، على القدرة المتزايدة للجماعات المسلحة والمدعومة من إيران، والتي، وفقًا لـ«بلال صعب»، من «معهد الشرق الأوسط»، لم تكن متاحة، إلا بسبب شحنات الأسلحة شبه المستمرة القادمة من فيلق القدس الإيراني. ومن المؤكد أن أي ضربات عسكرية محتملة من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، ستشكل «خطرًا أمنيًا كبيرًا»، على دول الخليج، إذا قامت إيران بالرد عليها. وبشكل خاص، سيكون هذا الخطر إذا أدت الطبيعة المعقدة لتلك الضربات المحتملة عن غير قصد إلى صراع طويل الأمد بين الولايات المتحدة، وإيران. ومن جانبه، أوضح «بون»، أنه «لا إيران، ولا الولايات المتحدة»، تريدان «حربًا شاملة» في الشرق الأوسط، حتى مع العلم أن خطر «التورط في تلك الحرب» قد يكون «أمرًا مطلوبًا»، إذا واصلت واشنطن تبني خياراتها العسكرية حال انهيار محادثات فيينا. وبالمثل، أكد «بول بيلار»، من جامعة «جورج تاون»، أن «شن حرب جديدة في الشرق الأوسط»، ستكون أسوأ بالنسبة للولايات المتحدة من تبعات وجود إيران المجهزة بالأسلحة النووية المتطورة؛ بسبب «الطرق المتعددة»، التي قد تعتمدها الأخيرة «للرد» على مثل هذه الحرب حال اندلاعها. لكن على الجانب الآخر، أشار كل من «دوبويتز»، و«كرونيغ»، إلى أن خطر التصعيد الإقليمي، سيكون أكبر إذا حصلت إيران على تطوير ترسانتها النووية، مشيرين إلى أن «التهديدات المتعلقة بالأسلحة النووية»، ستدعمها في «تكثيف عدوانها الإقليمي»، و«دعم الأنشطة الإرهابية والجماعات التي تعمل بالوكالة». ويكمن المنطق وراء إشارتهما بضرورة إجراء عمليات عسكرية ضد إيران، في أن «الجدول الزمني» لطهران «للانطلاق نحو عتبة التسلح النووي»، بدأ يتقلص وقد تجتازه قبل «أن يبادر البنتاجون برده المحتمل في هذا الصدد». وعلى الرغم من ذلك، شكك «ليتواك»، في أن يؤدي انهيار محادثات فيينا بالفعل إلى سعي إيران على الفور لتطوير أسلحتها النووية. وبدلاً من ذلك، أكد أن «الرؤية الاستراتيجية» لها تتركز في ضرورة احتفاظها بإمكانيات امتلاكها للسلاح النووي، مع تجنب عواقب السعي للتسلح به بشكل كامل في الوقت الراهن. ودعمًا لهذا الرأي، قال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، «ويليام بيرنز»، في ديسمبر 2021. إنه «لا يرى أي دليل على أن المرشد الأعلى لإيران، قد اتخذ قرارًا بالتحرك نحو عتبة التسلح النووي». غير أن كلا من «دوبويتز»، و«كرونيغ»، اعترض على هذا المنطق، وأصرّا على أنه يمكن لإيران «إنتاج قنبلة نووية في ضوء ما لديها من يورانيوم مخصب»، في «أقل من ثلاثة أسابيع»، أو «إجرائها اختبارا لجهاز تفجير نووي بدائي» في غضون ستة أشهر. وبدلاً من العمل على منع أو تأخير امتلاك إيران للأسلحة النووية؛ حذر «بون»، من أنه نظرًا إلى عنصر الوقت الذي يستلزم توجيه ضربة عسكرية ناجحة ضد إيران، فقد يؤدي ذلك في الواقع إلى زيادة «الاحتمالات» بوصولها إلى تطوير أسلحتها النووية من خلال منحها الدافع لتسريع وتيرة عملياتها، خشية وقوع المزيد من الهجمات ضد أهدافها مستقبلا. وبالمثل، قال «ديفسلار»، إنه «من المستبعد للغاية أن تتخلى عن برنامجها النووي، بعد تعرضها لضربة عسكرية». على العموم، فإنه مع احتمال التوصل إلى تسوية تفاوضية في فيينا، فإن الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، من وجهة نظر غالبية المحللين، لا تزال تمثل الكثير من المخاطر لواشنطن وحلفائها. ومع ذلك، لا تزال مدى فعالية مثل هذه التدابير محل نقاش بينهم، كما أن هناك مخاوف من أنه إذا سُمح لإيران بتطوير ترسانتها النووية، فسوف يشجع ذلك سلوكياتها العدائية، التي لطالما ميزت سياستها الخارجية على مدى العقود الماضية، وهنا تبقى الضربة العسكرية هي الطريقة الوحيدة المؤكدة لمنع ذلك. ومع ذلك، لا يزال منتقدو هذه الاستراتيجية قلقين من أن طهران في وضع جيد للانتقام من أي تدخل عسكري، وأن أي صراع مطول من شأنه أن يؤدي إلى المخاطرة بأمن واستقرار المنطقة بأكملها، جراء مجرد ضربة يراها الكثيرون أنها ستكون «حلاً مؤقتًا» على الأرجح للأزمة الراهنة.
مشاركة :