أفادت واشنطن، أمس، بأن روسيا لا تزال تعزز قواتها على حدود أوكرانيا بمزيد من الحشود، وإن الغزو قد يحدث في أي وقت، ربما قبل نهاية دورة الألعاب الأولمبية في فبراير الجاري. من جانبها، تشددت موسكو في موقفها من المساعي الدبلوماسية الغربية لنزع فتيل الأزمة، وأكدت رفضها للردود التي أرسلها الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي هذا الأسبوع على مطالبها الأمنية، معتبرة أن تلك الردود تنم عن «عدم احترام». وأظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية ونشرتها شركة أميركية خاصة موجات انتشار جديدة للجيش الروسي في عدة مواقع بالقرب من أوكرانيا. وفي أقوى رسالة تحذير يوجهها الرئيس الأميركي جو بايدن حتى الآن إلى الأميركيين في أوكرانيا للمغادرة فوراً، قال: إنه لن يرسل قوات لإنقاذ الأميركيين في حالة وقوع هجوم روسي. وأضاف بايدن لشبكة «إن. بي سي نيوز»: «يمكن للأوضاع أن تتدهور بسرعة». وبحث بايدن، في وقت متأخر مساء أمس، خلال مكالمة هاتفية، الأزمة مع زعماء بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وبولندا ورومانيا، فضلاً عن قادة حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وقال مصدر مطلع: إن الرئيس الأميركي اجتمع مع مستشاريه للأمن القومي في غرفة العمليات بالبيت الأبيض أمس. وأوضح المصدر أن لهجة موسكو تزداد شدة، وأن روسيا سيرت ست سفن حربية في البحر الأسود، وأضافت مزيداً من المعدات العسكرية في روسيا البيضاء، وهو ما دفع المسؤولين الأميركيين للاعتقاد بأن الأزمة وصلت فيما يبدو إلى مرحلة حرجة. وفي موسكو نقلت وكالة إنترفاكس للأنباء، عن بيان لوزارة الدفاع الروسية، أن رئيس الأركان الروسي فاليري جراسيموف ونظيره الأمريكي الجنرال مارك ميلي أجريا محادثات عبر الهاتف تناولت الأمن الدولي. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمس: «نحن في مرحلة يمكن أن يبدأ فيها الغزو في أي وقت، ونقول بوضوح، إن هذا قد يحدث خلال الأولمبياد». وتختتم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين يوم 20 فبراير. ومع اتساع دائرة القلق، طلبت اليابان وهولندا أيضاً من مواطنيهما، أمس، مغادرة أوكرانيا فوراً. وسيتم سحب البعثة الدبلوماسية الهولندية من كييف ونقلها بعيداً عن الحدود الروسية إلى لفيف في غرب أوكرانيا. وقالت إسرائيل إنها تقوم بإجلاء أقارب طاقم سفارتها في كييف بسبب «تفاقم الوضع». وحث بيان لوزارة الخارجية الإسرائيليين على تجنب السفر إلى أوكرانيا، كما دعا الموجودين هناك إلى «عدم التواجد في مناطق التوتر». وكانت روسيا حشدت بالفعل أكثر من 100 ألف جندي قرب أوكرانيا، وبدأت هذا الأسبوع مناورات عسكرية مشتركة في روسيا البيضاء المجاورة ومناورات بحرية في البحر الأسود. وتنفي موسكو أي نية لغزو أوكرانيا، لكنها توضح أنها ربما تلجأ لاتخاذ إجراء «عسكري تقني» لم تحدده في حالة عدم تلبية جملة من المطالب، من بينها وعد من حلف الأطلسي بعدم ضم أوكرانيا مطلقاً وسحب قواته من شرق أوروبا. ويقول الغرب إن المطالب الرئيسة غير منطقية ولا يمكن تلبيتها. وقدم الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي ردوداً مشتركة هذا الأسبوع، قائلَين إن الدول الأعضاء في الحلف والاتحاد اتفقت على التحدث بصوت واحد. وقالت وزارة الخارجية الروسية، أمس: إنها طلبت ردوداً بصورة منفردة من كل دولة على حدة، ووصفت الرد الجماعي بأنه إهانة. وشرعت عدة دول غربية في مساعٍ دبلوماسية هذا الأسبوع لإقناع روسيا بالتراجع، لكن موسكو تجاهلتها، ولم تقدم أي تنازلات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار روسيا يوم الاثنين الماضي. وكان وزير الدفاع البريطاني بن والاس آخر مسؤول غربي رفيع يطرق أبواب موسكو. وأبلغه نظيره الروسي سيرجي شويجو أن روسيا سترد في القريب العاجل على رسائل الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وقال والاس: إن شويجو كرر تأكيدات روسيا أنها لا تخطط للغزو. ولم تثمر محادثات رباعية في برلين بين روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا عن خطوة واحدة للأمام أمس الأول. كانت المحادثات جزءاً من عملية سلام طويلة الأمد في الصراع بين أوكرانيا وانفصاليين مدعومين من روسيا. وقالت باريس وكييف: إن الوفد الروسي طلب من أوكرانيا التفاوض مباشرة مع الانفصاليين، وهذا المطلب «خط أحمر» ترفضه أوكرانيا منذ بدء الصراع في 2014. وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا: «إذا وافقت أوكرانيا على ذلك، سيتغير موقف روسيا من طرف في الصراع إلى وسيط فيه». وقالت شركة ماكسار تكنولوجيز، التي مقرها الولايات المتحدة وترصد حشود القوات الروسية منذ أسابيع: إن صوراً التقطت يومي الأربعاء والخميس تظهر موجات انتشار جديدة للقوات في غرب روسيا وروسيا البيضاء وشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو في 2014. وتقول روسيا إن من حقها تحريك القوات على أراضيها وفق رؤيتها الخاصة، وإنها لا تشكل أي تهديد للخارج. ووحدت معظم الدول الغربية موقفها من خلال التهديد بفرض عقوبات اقتصادية على موسكو في حالة غزو أوكرانيا، لكن تباينت آراؤها بشأن ما إذا كان التهديد فورياً أو سريعاً. وحذرت واشنطن ولندن من أن الغزو قد يحدث في غضون أيام. فرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يصف الأيام المقبلة بأنها أخطر لحظة في أكبر أزمة أمنية تشهدها أوروبا منذ عقود. أياً كانت النوايا، فقد ردت موسكو بموقف رافض لكل الضغوط الغربية.
مشاركة :