تعكس تصريحات آموس هوكشتاين المبعوث الأميركي لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والتي أعلن من خلالها الخميس عن اقتراب المفاوضات من نهايتها، تحقيق اختراق في الملف الشائك، فيما ذكرت مصادر لبنانية أن التوافق النادر بين قادة لبنان لجهة ضرورة استثمار احتياطات الغاز لكبح الانهيار الاقتصادي يدفع باتجاه التسوية قريبا. وقال هوكشتاين “نحن الآن في نهاية هذه العملية (مفاوضات الترسيم)، نحن في حاجة إلى الوصول إلى نقطة حيث يقرر الأطراف أنهم يريدون حلاً”، دون أن يقدم مزيداً من التوضيح حول سير التفاوض غير المباشر. وأعرب الوسيط الأميركي عن اعتقاده أن “هناك فرصة سانحة الآن لترسيم الحدود (..) قمنا بتضييق الفجوات ويمكننا التوصل إلى اتفاق”. وتابع “على لبنان أن يقرر إن كان يريد اتفاقا مع إسرائيل، حتى يتمكن من الدخول في أعمال الاستكشاف (النفطية)، والحصول على الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، وعلى النشاط الاقتصادي، والحصول على الموارد الخاصة”. آموس هوكشتاين: مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل في نهايتها ومساحة المنطقة المتنازع عليها تبلغ 860 كلم، بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة، لكن بيروت تقول إن المساحة المتنازع عليها 2290 كلم، وهو ما ترفضه تل أبيب. وشدد وزير الطاقة اللبناني وليد فياض على “أهمية المضي قدما في المفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وضرورة الاستناد إلى القانون الدولي لئلا تكون النتيجة مجحفة في حق أحد”. ووصل هوكشتاين، الثلاثاء، إلى بيروت حيث التقى بمسؤولين لبنانيين وبحث معهم مسألة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، عقب أشهر من توقف مفاوضات “غير مباشرة” بين الجانبين حول ذلك. وفي أكتوبر 2020، انطلقت المفاوضات برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، وعُقدت 5 جولات من التفاوض أحدثها في الرابع من مايو الماضي، قبل أن تُعلق بسبب خلافات جوهرية. ويأمل سياسيون لبنانيون أن تساعد الموارد الهيدروكربونية المحتملة قبالة الساحل اللبناني بانتشال البلاد المثقلة بالديون من أعمق أزمة اقتصادية تواجهها. وبرز مؤخرا، موقف جديد من حزب الله بشأن مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل يتلخص في رفض الحزب أي اتفاق فيه شبهة تطبيع أو تنسيق مع إسرائيل، لكنه لم يعارض التفاوض والوصول إلى تسوية بشأنه، ما يؤشر على أن الحزب سيكون طرفا في المصادقة على التسوية في نهاية المطاف. والجمعة، دعا نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله علي دعموش اللبنانيين إلى عدم قبول أيّ مقترحات لا تراعي الحقوق اللبنانية الكاملة في مسألة الترسيم تحت وطأة الضغوط الأميركية. وقال دعموش “نحن نرفض أيّ شكل من أشكال التطبيع مع العدو، ولا يجوز أن يقبل اللبنانيون تحت وطأة الضغوط الأميركية بأيّ مقترحات لا تراعي الحقوق اللبنانية الكاملة بمسألة الترسيم وحقول النفط”. ووصف مراقبون تصريحات دعموش بأنها موجهة للاستهلاك الإعلامي الداخلي ومغازلة القواعد الانتخابية ولا تعكس رغبة الحزب في الوصول إلى تسوية بحسم ملف الموارد الطبيعية الذي يراهن عليه اللبنانيون كافة لكبح الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد. سياسيون لبنانيون يأملون أن تساعد الموارد الهيدروكربونية المحتملة قبالة الساحل اللبناني بانتشال البلاد المثقلة بالديون من أعمق أزمة اقتصادية تواجهها ودلّل هؤلاء على توصيفهم بالعودة إلى تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله مؤخرا في مقابلة تلفزيونية إذ علّق على الأمر قائلا “القرار النهائي يجب أن يصدر عن المؤسسات اللبنانيّة مجتمعة، وليس عن فرد أو قيادي واحد” أي أنّه من المفترض أن يصدر عن مجلس الوزراء، ما يعني أن الحزب سيكون شريكاً في اتخاذه. وتوحي المعطيات أن الحزب لن يذهب إلى عرقلة أيّ اتفاق، في حال كان ضمن الخطوط العريضة التي يضعها، لكن السؤال يبقى حول ما إذا كان هناك من أفرقاء محليين على استعداد لتجاوز هذه الخطوط لإبرام اتفاق سريع، خصوصاً أن هناك من بات يلمّح إلى أن المطلوب الاستفادة من الثروة لا الإبقاء عليها في قعر البحر. ويشهد لبنان منذ عام 2019 انهيارا اقتصاديا غير مسبوق صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي. ويترافق ذلك مع شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة السكان الذين يعيش أكثر من ثمانين في المئة منهم تحت خط الفقر. ومنذ أن بدأت الأزمة متعددة الوجوه تعصف بلبنان قبل عامين، تضاءل إلى حدّ شبه معدوم عدد ساعات التغذية من مؤسسة كهرباء لبنان الرسمية، وبات توافر التيار الكهربائي يقتصر على ساعة واحدة يومياً، ما دفع بالسكان إلى الاعتماد على المولّدات الخاصة. وتشير مصادر لبنانية إلى وجود إجماع داخلي على ضرورة الحسم في ملف ترسيم الحدود بين مختلف الفرقاء السياسيين وهو ما دللت عليه تصريحات كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي إضافة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأعرب عون، الأربعاء، عن استعداد بلاده للبحث في النقاط التي طرحها الموفد الأميركي حول ترسيم الحدود البحرية. وجاء ذلك خلال لقاءه مع هوكشتاين، في قصر بعبدا شرقي العاصمة بيروت، بحضور السفيرة الأميركية دوروثي شيا. وذكر بيان للرئاسة اللبنانية أن هوكشتاين قدم اقتراحات (لم يتم الكشف عن تفاصيلها) “ستتم دراستها انطلاقا من إرادة الوصول إلى حلول لهذا الملف، وسوف يستمر التواصل مع الجانب الأميركي تحقيقا لهذه الغاية”. والتقى هوكشتاين ميقاتي، في السراي الحكومي ببيروت، حيث قال ميقاتي إنه سيتشاور بشأن المقترحات لتحديد الموقف اللبناني منها. من جانبه، أكد قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون أن “المؤسسة العسكرية مع أيّ قرار تتخذه السلطة السياسية، بشأن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل”. وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد أعلن في بداية أكتوبر 2020 عن اتفاق إطاري للتفاوض على ترسيم الحدود جنوب لبنان برعاية الأمم المتحدة وتحت رايتها، وبوساطة من الولايات المتحدة، حيث يواجه لبنان نزاعا حول ترسيم منطقته الاقتصادية الخالصة مع إسرائيل . وفضلاً عن الحاجة إلى الطاقة، يأمل لبنان مستقبلاً من خلال ثروته النفطية في جذب استثمارات أجنبية، إذ يعاني منذ نحو سنتين من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه أدت إلى انهيار مالي وفقدان الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى. وإضافة إلى النزاع الحدودي البحري تشهد الحدود البرية بين الجانبين توترات بين الحين والآخر، فيما لا تزال إسرائيل تحتل جزءًا من الأراضي اللبنانية هي مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وصدر قرار من مجلس الأمن عام 1978 ينص على انسحابها لكنه لم يُنفذ حتى اليوم.
مشاركة :