لا يرتكز التعاون الأمني والاقتصادي والسياسي بين روسيا والصين على تحالف رسمي معيّن أو شكل من الاصطفاف الاستبدادي، بل إنه قائم على اعتراف مشترك مفاده أن استمرار التوتر بين البلدين قد يُضعِف مساعي كل حكومة لاكتساب الدور العالمي الذي تطمح إليه. في ظل احتدام المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب أوكرانيا وانعقاد قمة بين القادة الروس والصينيين خلال الألعاب الأولمبية في بكين، يتساءل الكثيرون حول موقف الصين من الاضطرابات العسكرية المتصاعدة بين واشنطن وموسكو، وتزامناً مع توسّع المنافسة الأميركية مع هاتين القوتَين البارزتَين، تعطي الولايات المتحدة أهمية غير مسبوقة للعلاقات الروسية الصينية، فمن الضروري إذاً أن يفهم صانعو السياسة الأميركية نطاق هذه العلاقة وحدودها. يبدو سقف العلاقات الروسية الصينية غير محدود نظرياً، لكنه يتوقف عملياً على تكاليف ومنافع جميع أشكال التعاون المحتملة بين الحكومتَين، فبنظر موسكو أو بكين، لن تتجاوز المنافع الهامشية لأي تحالف ثنائي حدود الاتفاق غير العدائي لأن كل بلد منهما يملك أسلحة نووية للتعامل مع التهديدات العسكرية بما يتجاوز قدرة القوات التقليدية. لكن ما من تحالف شامل يمنع تقييد التعاون العسكري والأمني بين روسيا والصين، ومن المستبعد أن ينشأ تحالف مماثل في المرحلة المقبلة. تسمح العلاقة الروسية الصينية القائمة اليوم بالتشاور والتنسيق حول الشؤون الأمنية والمسائل الاقتصادية وسياسات متنوعة أخرى، فهذا الوضع يطرح مخاطر كافية على الولايات المتحدة رغم غياب أي اتفاق دفاعي مشترك بين روسيا والصين، وفي نهاية المطاف، من المستبعد أن تحارب القوات الروسية والصينية جنباً إلى جنب، حتى لو خاض البلدان الحرب مع الولايات المتحدة في الوقت نفسه، إذ تفصل آلاف الأميال بين ساحات المعارك الأساسية في هاتَين الحربَين المحتملتَين. يتعلق أخطر جانب من هذه العلاقة على الأرجح بإقدام روسيا على تقاسم التكنولوجيا العسكرية مع بكين، مع أن قدرات الصين التقنية تشهد توسعاً سريعاً في قطاعات مختلفة، كذلك، يثير بيع الأسلحة الروسية إلى الصين قلق الأميركيين منذ فترة طويلة، فقد بلغ حجم مبيعات الأسلحة ذروته في عام 2005 (اقتصر على خُمس ذلك المستوى في عام 2020)، لكن قدّمت الشركات الروسية أنظمة حديثة للصين، منها أجهزة اعتراض "سو-35" وأنظمة الدفاع الجوي "إس-400"، وتفيد التقارير أيضاً بأن روسيا زوّدت مقاتلات الشبح الصينية "جي-20" بالمحركات سابقاً. على صعيد آخر، تستمر جهود تعميق العلاقة الاقتصادية بين روسيا والصين اليوم، وقد يسمح هذا الوضع بحماية روسيا من بعض عواقب العقوبات الغربية، بما في ذلك تراجع العمليات التجارية مع الولايات المتحدة وعدد كبير من حلفائها، وفي عام 2020، بلغت حصص الصين من صادرات النفط والغاز الروسية 31% و5% على التوالي، وزادت صادرات السلع الروسية إلى الصين أكثر من ثلاثة أضعاف (من 16 مليار دولار في عام 2009 إلى 58 مليار في عام 2019)، أي ما يفوق صادرات السلع إلى الولايات المتحدة بأربع مرات تقريباً خلال السنة نفسها، ونتيجةً لذلك، يبقى أثر العقوبات التجارية الأميركية أحادية الجانب محدوداً على روسيا خارج إطار القيود التكنولوجية كتلك المرتبطة بالدفاع وتكنولوجيا الطاقة. أخيراً، لا يرتكز التعاون الأمني والاقتصادي والسياسي بين روسيا والصين على تحالف رسمي معيّن أو شكل من الاصطفاف الاستبدادي (مع أن الدفاع المشترك في أنظمة الحكومتَين يسهم في ترسيخ هذا النوع من الاصطفافات)، بل إنه قائم على اعتراف مشترك مفاده أن استمرار التوتر بين روسيا والصين قد يُضعِف مساعي كل حكومة لاكتساب الدور العالمي الذي تطمح إليه، ومن اللافت أيضاً أن تتوسع هذه العلاقة الثنائية تزامناً مع فشل كل حكومة فردية في بلوغ أهدافها عبر التعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا وآسيا. لا يعني ذلك أن جميع أهداف موسكو وبكين كانت منطقية أو أن جهود التعاون كانت صادقة دوماً، فمن وجهة نظر روسيا والصين، يسعى الأميركيون وحلفاؤهم إلى منع كل بلد من توسيع نفوذه والتأثير على قواعد اللعبة، ونتيجةً لذلك، سيكون دعم الصين الكلامي للجهود الروسية الرامية إلى التأثير على الأمن الأوروبي مفيداً لروسيا ومصالحها، لكن من المستبعد أن تتخذ بكين أي خطوات إضافية.
مشاركة :