جلس الشاب عماد الثلاثيني بالعمر بداخل متجره الكبير بأحد أسواق مدينة دمشق القديمة ينتظر قدوم الزبائن لشراء الهدايا بمناسبة عيد الفالنتاين الذي ألفه العديد من السوريين وبات طقسا سنويا، لكن يبدو أن الظروف الحياتية تغيرت وتحولت اولويات السوريين واهتماماتهم إلى أشياء أخرى في هذا العام الحالي الذي يصفه الناس بأنه الاصعب منذ نشوب الحرب في البلاد منذ مارس 2011. وتشهد أسواق دمشق القديمة المجاورة لسوق الحميدية الشهير، حركة خجولة ، إن لم تكن معدومة مع اقتراب عيد الفالنتاين ، والمحلات التجارية لم تحتف بهذه المناسبة كم هو معهود لها فى السابق، ولا يوجد ما يلفت الانتباه، الأمر الذي يدل على عدم وجود طقوس لعيد الفالنتاين في سوريا مما يفقده رونقه، بحسب مراسل وكالة أنباء (شينخوا). وقال عماد الذي جلس بداخل محله، يشرب الشاي الاحمر لـ(شينخوا) إن "حركة البيع خفيفة أو شبه معدومة"، مؤكدا أنه لم يشترى أي بضائع جديدة خاصة بمناسبة عيد الفالنتاين، وأنه يقوم بعرض بضائع قديمة. وتابع يقول "الوضع الاقتصادي بات صعبا على الجميع في سوريا، وأسعار الهدايا غال جدا"، متسائلا "كيف يمكن لشخص ما أن يشتري هدية لمن يحب بـ 22 الف ليرة سورية أي ما يعادل 7 دولارات أمريكية ، وهو بأشد الحاجة إلى الأكل؟، مؤكدا أن الطعام بات اولوية للسوريين." وأضاف عماد "قبل نشوب الحرب في سوريا كان هذا اليوم أهم من عيد الأضحى لجهة حركة البيع وازدحام الناس لشراء الهدايا"، مبينا أن واجهات المحلات في أسواق دمشق القديمة تكتسي باللون الأحمر. وأشار إلى أن الكثير من الناس هاجرت خارج البلاد خلال السنوات الماضية، ومن بقي داخل سوريا لا يملك فائضا من المال كي يشتري هدايا، لهذا "لا يوجود طقوس لعيد الحب في سوريا هذا العام". وقبل نشوب الحرب في سوريا، كان لعيد الفالنتاين أو ما يعرف بـ "عيد الحب" طقوسا خاصة، وكان يوما مميزا في حياة السوريين، وكانت واجهات المحلات تلبس لون أحمر، ولكن مع نشوب الحرب في البلاد واستمرارها لاكثر من 10 سنوات راح هذا العيد يتلاشى رويدا رويدا، وبدأ يفقد بريقه لدى الناس، بسبب ظروف الحرب، وانعكاساتها على حياتهم الاقتصادية والانسانية. بدورها، اعتبرت حنان (41 عاما) ربة منزل أن عيد الفالنتاين هو عيد وافد على حياة السوريين، وكان الناس يحتلفون به من خلال شراء الهدايا لمن يحبون، ولكن سوريا اليوم تمر بظروف اقتصادية صعبة، وبات صعب على أي انسان شراء هدية بسعر خيالي، مؤكدة أن الحب مستمر في حياة السوريين، ولكن بدون هدايا. وقالت حنان وهي تمشي في سوق الحميدية لـ(شينخوا) "لا يوجد حركة في الأسواق، ولا يوجود شيء يدل على وجود عيد الفالنتاين كما كنا نشاهدة أو نلاحظة قبل سنوات الحرب"، لافتا إلى أن الأوضاع الاقتصادية التي يعشيها السوريين اليوم تجعلهم يحجمون عن شراء الهدايا أو الاحتفال بطقوس العيد كما في السابق. في حين اشترت سلمى، وهي طالبة جامعية، وردة صناعية حمراء اللون بـ 5 الاف ليرة سورية، كتعبير عن حبها لامها التي تعتبرها أهم من يجب أن يقدم له وردة حمراء في مثل هذا اليوم. وقالت سلمى لـ(شينخوا) "ليس بالضرورة أن يشتري المرء هدية باهظة الثمن لكي يعبر للناس عن حبهم، بل ممكن باشياء بسيطة ورمزية ان نعبر عن مشاعرنا للاخرين، مثل هذه الوردة الحمراء الصناعية التي سأقدمها لأمي بهذه المناسبة". في السويداء (جنوب سوريا) لا يختلف المشهد كثيرا عما هو موجود في العاصمة دمشق، فالبعض انصرف عن تقديم الدبدوب الأحمر باشكاله واحجامه المختلفة لمن يحب، وذهبوا إلى تقديم بعض قطع الشوكولاته والبسكوت المغلف والموضوعة ضمن علبة صغيرة ومزينة بأوراق من الورد المجفف، لتكون تعبيرا رمزيا لمشاعرهم تجاه من يحبون، والبعض الاخر احجم عن شراء الهدايا بحجة الغلاء والظروف الاقتصادية الصعبة، وقسم أخر حول معايدته إلى نوع مختلف فقدم سلل غذائية لاسر محتاجة. وقال ربيع الشاعر (26 عاما) "كنا نسمع عن طقوس عيد الفالنتاين التي كانت تمارس قبل نشوب الحرب، ولكن يبدو أن الظروف الاقتصادية الصعبة والحرب ومفرازاتها انعكست علينا، جعلتنا نتخلى عن بعض الاشياء، ونكتفي بتقديم هدايا رمزية بسيطة". وتابع ربيع يقول وقد اشترى عددا من قطع الشوكولاته وقام بوضعها ضمن صندوق خشبي صغير كي يقدمها لخطيبته في الجامعة "انا أعمل في مشغل خاص وراتبي لا يكفي لشراء هدايا كبيرة لان الاسعار غالية"، مشيرا إلى أن بعض التجار والنفوس الضعيفة تحاول ان تستغل هذا ليوم لبيع الهدايا باسعار مضاعفة"، مؤكدا أن الهدايا التي اختارها مناسبة وهي رمزية وتعبر عن مشاعره تجاه خطيبته. وهناك شبان وشابات حولوا هدايا عيد الفالنتاين إلى سلل غذائية لتوزيعها على الأسرة المحتاجة. وقالت إحدى الشابات التي فضلت عدم الكشف عن اسمها لوكالة (شينخوا) إن "خطيبي أرسل لي من دول الاغتراب مبلغا من المال لشراء هدية في عيد الفالنتاين"، مشيرة إلى أنها قامت بشراء عدد من السلل الغذائية ووزعتها على الاسر المحتاجة. وأضافت "شعرت بسعادة غامرة عندما صنعت فرحة في بيت يحتاج إلى مساعدة، ويحتاج إلى غذاء أكثر من الوردة الحمراء"، داعية من يستطيع أن يقدم دعما لهؤلاء الأسر أن يبادر فورا، فهذا هو عيد الحب".
مشاركة :