تواجه الأجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة معضلة انتشار السلاح في أيدي العائلات وسط تضارب في الاعتبارات بشأن القضاء على الظاهرة. وسجل قطاع غزة سقوط العشرات من الضحايا على مدار السنوات الأخيرة بفعل ظاهرة انتشار السلاح في وقت لا توجد فيه آليات محددة لمنع الأفراد من اقتنائه أو تخزينه، في ضوء الحالة التي يعيشها القطاع في ظل الصراع مع إسرائيل. وبحسب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان فإن الحديث عن ظاهرة انتشار السلاح وسوء استخدامه يتصاعد بدرجة كبيرة في المجتمع الفلسطيني بسبب ملاحظة انتشاره الكثيف بين أيدي المواطنين واستخدامهم له في الشجارات العائلية وفي المناسبات الاجتماعية. وحذرت الهيئة في تقرير حديث لها من “سباق تسلح بين المواطنين والعائلات والعشائر في غزة، الأمر الذي يشكل تهديداً حقيقياً للسلم الأهلي ولحق الأفراد في الأمن الشخصي ولحقهم في الحياة والسلامة الجسدية”. غياب سيادة القانون وعجز السلطات من أهمّ المشكلات التي تواجه المجتمع في غزة وتهدد بنيته ونسيجه وتماسكه ويحظر القانون الأساسي الفلسطيني على الأفراد اقتناء السلاح، وتعد حيازته بشكل غير مشروع جريمة بحد ذاتها تعرض صاحبها للمساءلة. ويعتبر مركز الميزان لحقوق الإنسان أن ظاهرة الفلتان الأمني والعنف الداخلي في قطاع غزة تشكل أحد أبرز مظاهر غياب سيادة القانون، ومن أهم المشكلات التي تواجه المجتمع وتهدد بنيته ونسيجه. ويقول منسق وحدة البحث الميداني في المركز يامن المدهون، إن انتشار اقتناء الأسلحة وسوء استخدامها خارج إطار القانون ظاهرة ملموسة في قطاع غزة. ويشدد المدهون على أن انتشار الأسلحة وسوء استخدامها خارج نطاق القانون يقوضان المساعي التي تصب في مصلحة المواطن وتهدد النسيج المجتمعي في ظل سقوط العشرات من الضحايا نتيجة سوء استخدامها. ويبرز أنه إلى جانب الصراع بين الفصائل الفلسطينية المسلحة وإسرائيل، فإن من أهم أسباب انتشار ظاهرة الأسلحة في غزة ضعف المنظومة القضائية في ما يخص بعض الحالات التي لها علاقة بالأعمال الثأرية والقتل على خلفية الشرف إلى جانب التهاون في سوء انتشار الأسلحة الصغيرة بين السكان في القطاع. ويعد إطلاق النار في المناسبات العامة في قطاع غزة مثل حفلات الزفاف والجنازات وأثناء صدور نتائج اختبارات الثانوية العامة أمرا شائعا لدى السكان وكثيرا ما أدى إلى سقوط ضحايا. ورصدت إحصائيات حقوقية مقتل 30 شخصا جراء حوادث فوضى انتشار الأسلحة في قطاع غزة خلال عام 2019. وقضى 14 شخصا بينهم خمسة أطفال وامرأتان على نفس الخلفية في العام 2020، مقابل مقتل 56 شخصا بينهم 13 طفلا و6 سيدات خلال العام الماضي. ويعزو مراقبون انتشار ظاهرة الأسلحة في قطاع غزة إلى السطوة العشائرية والقبلية وحرص أفراد في العائلات الكبيرة على تكديس السلاح لاعتبارات مختلفة منها التفاخر والتجارة الشخصية. ودفع ذلك إلى استحداث هيئة حكومية لشؤون العشائر في غزة للعمل على التواصل مع العائلات لحل الخلافات في ما بينها والتوعية بمخاطر انتشار ظاهرة الأسلحة. ويقول منسق الهيئة في جنوب قطاع غزة أحمد شعث إن من أبرز مهام هيئة العشائر والمخاتير نشر التوعية المجتمعية بشأن ضرورة ضبط السلاح المتفلّت حفاظاً على السلم الأهلي. ويضيف شعث “نواجه للأسف حالة فوضى بشأن انتشار السلاح غير المرخص، لاسيما لدى العائلات وهو أمر يبرز عند الشجارات ويؤدي دائما إلى سقوط ضحايا دون اعتبار للقانون”. ويشدد على وجوب حصر الأسلحة في أيدي المكلفين بإنفاذ القانون وعناصر فصائل “المقاومة” الفلسطينية فقط واتخاذ إجراءات مشددة بحق كل مخالف بمن في ذلك من يستخدمه في الشجارات العائلية. وأعلنت الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس في غزة عن مصادرة العشرات من قطع الأسلحة بانتظام خلال العامين الماضيين لاستخدمها بصفة غير مشروعة في مناسبات منها الاحتفالات وإطلاق نار في الهواء والشجارات العائلية. القانون الأساسي الفلسطيني يحظر على الأفراد اقتناء السلاح، وتعد حيازته بشكل غير مشروع جريمة بحد ذاتها تعرض صاحبها للمساءلة وأعلنت وزارة الداخلية في غزة منتصف عام 2020 عن اتفاق مع الفصائل والأجنحة العسكرية في القطاع على رفع الغطاء التنظيمي والفصائلي عن أي شخص يتورط في إطلاق النار خارج إطار القانون، إلى جانب مصادرة السلاح المستخدم بشكل نهائي وعدم إرجاعه. وفي حينه أكدت الوزارة أن الشرطة وأجهزتها الأمنية شرعت في تشديد إجراءاتها في ضبط مُطلقي النار خارج إطار القانون، وإحالتهم إلى النيابة لاتخاذ المقتضى القانوني بحقهم. ويؤكد الناطق باسم جهاز الشرطة في غزة العقيد أيمن البطنيجي أن الأجهزة الأمنية المختصة في غزة “لا تتهاون مطلقا مع حوادث استخدام السلاح في الشجارات أو إطلاق النار في الهواء بغرض الاحتفال، وتسارع في حال حدوث ذلك بمصادرته”. ويوضح البطينجي أن الشرطة هي من تشهر السلاح وتجري التحقق من مصدره وتتم مصادرته إذا كان مملوكا لأفراد أو عائلات وتحيل الشخص إلى المقتضى القانوني بشكل فوري. ويشير إلى أنه في حال كان السلاح تابعا لفصيل مقاوم يرفع الغطاء التنظيمي عن الشخص الذي أساء استخدامه ويحال إلى النيابة بعد مصادرة السلاح، ومثل هذه الجرائم تعتبر جناية عقوبتها الدنيا السجن لثلاثة أعوام. ويوضح عضو الائتلاف المدني الفلسطيني لتعزيز السلم الأهلي أمجد الشلة أن الفصائل الفلسطينية تعاني ضعفا تجاه التزام كوادرها وباتت تفقد دورها المجتمعي لصالح العائلات. ويشدد الشلة على وجوب ضبط الفصائل لكوادرها “ضمن الإطار الوطني المبني على مبدأ أن السلاح هو سلاح تحرري لمواجهة العدو (إسرائيل)، والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني لتعزيز ثقافة السلم الأهلي”.
مشاركة :