اقتراب النفط من 100 دولار يضغط على أرباح الشركات

  • 2/14/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كان إسحق لاريان، مؤسس شركة الألعاب «إم جي إيه إنترتينمنت» (MGA Entertainment)، يعتقد بأنه صمد أمام أسوأ تسونامي تكاليف شهده خلال العام الماضي جراء أزمات سلاسل التوريد والشحن ونقص العمالة. لكن صانع ألعاب دمى «براتز» (Bratz)، و»إل.أو.إل سربرايز» (L.O.L. Surprise)، و «ليتل تايكيس» (Little Tikes)، أصبح الآن يستعد لموجة ثانية من تراجع الأرباح، مع وصول سعر برميل النفط إلى 100 دولار. يقول لاريان، الذي مثّل العديد من صنّاع الألعاب ممن ترتبط بعض تكاليفهم المادية بشكل وثيق بأسعار النفط والغاز الطبيعي: «هذه كارثة. ليس هناك الكثير من الأمور التي يمكن فعلها». يتوقع المحللون أن ترتفع أسعار النفط الخام قريباً إلى 100 دولار للبرميل، وقد تصل إلى 150 دولاراً إذا تصاعدت حدة التوترات بين روسيا وأوكرانيا إلى مستوى يخلق صدمة في المعروض، حسبما أفاد الخبيران الاقتصاديان لدى بنك «جيه بي مورغان تشيس آند كو»، جوزيف لوبتون وبروس كاسمان في تقرير. بالنسبة إلى الشركات، تدور لعبة التضخم حول تمرير مثل هذه الزيادات في التكاليف بأكبر قدر ممكن وبأسرع وقت ممكن، لكن هذا الأمر لم يكن سهلاً منذ تفشي جائحة كورونا. فقد أدى نقص العمالة إلى رفع الأجور، كما أدى التدفق الكبير للبضائع المستوردة إلى تعطيل سلسلة الإمداد، وبالتالي ارتفاع تكاليف الشحن وخلق ندرة في السلع تدفع باتجاه زيادة الأسعار. الآن، يشهد المستهلكون والشركات، مزيداً من ضغوط التكلفة مع صعود أسعار النفط والغاز الطبيعي إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2014، فيما تشير كل المؤشرات أيضاً إلى استمرار ارتفاع أسعار الطاقة في المستقبل. يوضح لاريان، الذي أسس شركته عام 1979، وجعل منها أكبر شركة خاصة لصناعة الألعاب في الولايات المتحدة، أن هامش ربح شركة «إم جي إيه إنترتينمنت» انخفض بنسبة 5% في عام 2021، وسينخفض أكثر مع التأثير المتعدد الجوانب لارتفاع أسعار الطاقة. كما أنه يعتقد بأن أسعار الشحن وتكاليف الراتنج البلاستيكية، سترتفع مرة أخرى هذا العام، وهو ما يشكل أنباءً غير سارة لألعاب مثل «كوزي كوبيه» (Cozy Coupe) التي تصنعها «إم جي إيه». فسيارة الأطفال الأيقونية هذه التي تتخذ شكل فقاعة ويقودها الصغار بأقدامهم، مصنوعة من البلاستيك بنسبة 80%. والأسوأ من ذلك أن القوة الشرائية للمستهلكين ستتراجع مع دفع المزيد من النقود لملء خزانات مركباتهم وتدفئة منازلهم. يقول لاريان: «نحن نتعامل مع مستهلك يعاني من الإرهاق، وسنصل إلى مرحلة لا يمكننا معها زيادة الأسعار أكثر». وأضاف: إذا ارتفع سعر لعبة ما من 10 دولارات إلى 25 دولاراً، سيكون هناك الكثير من المستهلكين الذين لن يكون بمقدورهم شراؤها». قفزت أسعار النفط الخام إلى أكثر من 90 دولاراً للبرميل، بزيادة نسبتها 60% مقارنة بمتوسط أسعار عام 2019، أي قبل تفشي «كوفيد-19» حول العالم وتسببه في اختلالات هائلة في السوق. وتشير بنوك «وول ستريت» إلى أن سعر النفط ربما يرتفع بنسبة 30% إضافية أو أكثر. تردّد في زيادة إنتاج النفط كانت الدول المنتجة للنفط بطيئة في استعادة طاقتها الإنتاجية التي توقفت خلال ذروة الوباء. ولم يؤيد المساهمون في شركات التنقيب الأمريكية، مثل «إكسون موبيل» و»شيفرون»، الاستثمارات الضخمة اللازمة لتعزيز القدرة الإنتاجية، في ظل رؤيتها للتحول الواضح لإدارة الرئيس جو بايدن نحو الطاقة الخضراء، بعيداً عن الوقود الأحفوري الذي تنتجه هذه الشركات. يقول فيليب أورلاندو، كبير استراتيجيي السوق في «فيدريتد غلوبال إنفستمنت مانجمنت» (Federated Global Investment Management)، إن التبني واسع النطاق للمركبات الكهربائية، يمكن أن يؤدي إلى القضاء على جزء كبير من أعمال منتجي النفط، ما يجعلهم أكثر تردداً في حفر آبار جديدة لتعزيز طاقتهم الإنتاجية. أورلاندو وفريق عمله، كانوا قد رأوا تشكلاً للغيوم حول النفط، وتوقعوا تضاعف إنتاجه عندما انخفض السعر إلى مستوى 35 دولاراً للبرميل في أكتوبر 2020. ثم رفعوا توقعاتهم بعد انتعاش الطلب على النفط الخام بشكل أسرع مما كان متوقعاً. تبلي بعض الشركات بلاء حسناً عند ارتفاع أسعار النفط، وهذه الشركات تتمثل في منتجي الطاقة والشركات الصناعية التي تمد شركات التنقيب بما تحتاج إليه. وبالنسبة إلى الشركات الأخرى، فإن الأمر كله يتعلق بتقاريرها المالية، على حد قول أورلاندو. يتعين على الشركات المصنعة وتجار التجزئة وشركات البضائع المعبأة وشركات نقل الركاب، إيجاد سبل لتمرير تكاليف الطاقة إلى العملاء الذين يعانون بالفعل من صدمة الأسعار. عن ذلك، يقول أورلاندو: «إنهم يحاولون فقط استرداد التكاليف الإضافية من الأجور والنقل والسلع الخام. فهم، لهم الحق في تحقيق ربح». للوهلة الأولى، تبدو شركات النقل بالشاحنات وخطوط السكك الحديدية وخدمات توصيل الطرود والنقل البحري، من بين أكثر الشركات تضرراً من ارتفاع أسعار النفط. لكن العديد منها استطاع لفترة طويلة ترويض تقلبات أسعار النفط الخام من خلال فرض رسوم إضافية على الوقود، تمرر تلقائياً إلى العملاء. في الوقت ذاته، يقول براين نيومان، المدير المالي لشركة «يونايتد بارسل سيرفيس» (United Parcel Service) المعروفة اختصاراً بـ»يو بي إس» (UPS)، إن شركته سجلت أرباحاً قياسية العام الماضي رغم أن الوقود والعمالة يمثلان أكبر تكاليفها. والجدير بالذكر أن لدى الشركة عمالاً منتمين للنقابات، يعملون بموجب عقود، ما يحافظ على استقرار تكاليف العمالة. وفي ما يتعلق بالوقود، فهي تفرض رسوماً إضافية تعدل أسبوعياً لتعكس الزيادة أو الانخفاض في أسعار البنزين والديزل. على مدى العامين الماضيين، رفعت «يو بي إس» الأسعار بشكل كبير، بما في ذلك الأسعار على شحنات شركة «أمازون دوت كوم». كذلك، رفعت شركة التجارة الإلكترونية العملاقة، التي دفعت لشركة الطرود الأمريكية حوالي 11.4 مليار دولار العام الماضي لتسليم شحناتها، رسوم الاشتراك السنوية في خدمة عضوية «أمازون برايم» بمقدار 20 دولاراً بداية فبراير الجاري، لتصل بذلك إلى 139 دولاراً. يقول نيومان: «عملياً، نحن نفرض رسوماً إضافية على الوقود في كافة جوانب أعمالنا حول العالم. فهي ممارسة طويلة الأمد مع عملائنا -على الصعيد الدولي والمحلي- نفسرها في الأساس بالقول إنه مع تحرك سعر الوقود، سنمرر هذه التكاليف لغيرنا». سجلت شركة «يونيون باسيفيك» (Union Pacific)، وهي أكبر شركة سكك حديدية تطرح أسهمها للتداول العام، أرباحاً قياسية العام الماضي، فضلاً عن أنها مررت حوالي 336 مليون دولار من رسوم الوقود الإضافية للعملاء في الربع الأخير فقط. كما أعلنت شركة «ميرسك» (Maersk)، الناقل البحري ومقره الدنمارك، عن تحقيق أرباح بلغت 18 مليار دولار في عام 2021، مقارنة بـ509 ملايين دولار في عام 2019، بعد رفع الأسعار وتمرير تكاليف الوقود إلى العملاء. بالنسبة إلى الشركات التي تجد صعوبة في تحميل العملاء زيادات أسعار الوقود، بما فيها شركات الطيران وخطوط الرحلات البحرية، فإن التحوط يعد وسيلة أكثر خطورة لإدارة تقلبات النفط، حيث تعد الأدوات المالية، المرتبطة بأسعار مستقبلية نحددة وثابتة، باهظة الثمن ولا تؤتي ثمارها إلا إذا تجاوز النفط مستوى معيناً، وهذا الحل المحتمل قد يتحول إلى مشكلة أكبر إذا انخفض النفط إلى ما دون السعد المحدد.

مشاركة :