أجرى المركز المالي الكويتي «المركز» مؤخرًا بالتعاون مع اتحاد مصارف الكويت عرضًا تعريفيًا بعنوان «السيولة في دول مجلس التعاون الخليجي وتأثيرها على المصارف وأسواق الأسهم وأسواق السندات». وقدم العرض م.ر. راغو، نائب أول للرئيس في قسم الأبحاث في «المركز» والعضو المنتدب لشركة مارمور مينا إنتليجنس، وهي شركة تابعة ومملوكة «للمركز» تقدم خدمات متكاملة في البحث والتحليل المالي لاقتصادات وأسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد أشار راغو إلى أن تأثير تراجع أسعار النفط في الفترة الأخيرة، والذي تجاوز 61 في المئة منذ شهر يونيو/ حزيران 2014 نتيجة عوامل عديدة منها ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة، وقرار أوبك المحافظة على مستويات إنتاجها على الرغم من بوادر ضعف نمو الطلب، قد امتد ليطال النظام المالي الخليجي عبر القنوات المصرفية، مما أدى إلى زيادات مفاجئة في معدل فائدة الإقراض ليوم واحد. وأضاف راغو أن دول مجلس التعاون الخليجي لاتزال تعتمد إلى حد كبير على الإيرادات النفطية، على الرغم من الجهود التي تبذلها لتنويع اقتصاداتها. ويتوقع صندوق النقد الدولي تراجع إيرادات صادرات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي بما مجموعه 250 مليار دولار أمريكي في العام 2015 مقارنةً بما كانت عليه في العام 2014. ومع وصول سعر النفط حاليًا إلى أقل من سعر التعادل النفطي، فمن المتوقع أن يتحول الفائض المالي لدول مجلس التعاون الخليجي، والذي يمثل مانسبته 4.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014، إلى عجز بحوالي 7.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015. ومع أن الحكومات الخليجية قد حافظت إلى حد كبير على مستويات انفاق موازناتها في العام 2015 لضمان استمرار نموها الاقتصادي في المدى المتوسط، إلا أن الإصلاحات المالية تعتبر ضرورة لا بد منها. كما أوضح أنه في ظل التغييرات الجذرية في الوضع المالي وانخفاض أسعار النفط، يمكن أن تضطر الحكومات الخليجية إلى إعادة تقييم أنماط إنفاقها. غير أن مستويات الدين العام المنخفضة في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تبلغ 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بنسبة 117 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في دول مجموعة السبع، ودرجات التصنيف السيادي الأعلى لمعظم دول الخليج، تجعل الأوضاع السائدة في المنطقة مطمئنةًعلى المدى القصير. وفي ظل توقع معظم الهيئات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنوك الاستثمار الكبرى (جاي بي مورغان وغولدمان ساكس) لاستمرار مناخ تراجع أسعار النفط، أخذت الحكومات الخليجية بوضع استراتيجيات متعددة لمواجهة العجز، منها تصفية بعض الاستثمارات التي تملكها من خلال صناديقها السيادية. وقد قامت المملكة العربية السعودية السنة الماضية بسحب أكثر من 70 مليار دولار أمريكي من احتياطياتها. كما أن الحكومات في جميع دول منطقة الخليج العربي قد بدأت بخفض إنفاقها غير الضروري وتعمل على مواجهة مشكلة الإعانات المتفاقمة. وأضاف راغو أن انخفاض الإيرادات النفطية قد أثر بشكل واضح على حركة الودائع في المصارف الخليجية، حيث إن الودائع الحكومية تشكل نسبة كبيرة من إجمالي الودائع المصرفية. وتسبب تراجع نموالودائع، إلى جانب سحب الحكومات من مدخراتها، في نشوء ضغوط على المدى القصير في سوق النقد. وعلى الرغم من جودة رؤوس أموال المصارف، غير أنها يمكن أن لا تستطيع التحول إلى المصدر الوحيد لتمويل الحكومات. وبالإضافة إلى ذلك، تراجعت أسواق الأسهم على مدى السنة الماضية متأثرةً بتراجع أسعار النفط الخام. ومع توقع انخفاض أرباح الشركات الخليجية في المدى القريب، وعدم توفر الإقراض المصرفي الكافي للاستثمار في أسواق الأسهم، يمكن أن تواجه الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي مزيدًا من الضغوط. وكانت قيم الأسهم بحسب مكرر الربحية في الأسواق الخليجية قد تراجعت في المتوسط بنسبة 25 في المئة منذ الربع الثاني 2014. كما انخفضت إصدارات السندات العالمية من دول مجلس التعاون الخليجي (سندات الشركات والسندات السيادية) بنسبة 33 في المئة مقارنةً بما كانت عليه قبل سنة، لتصل إلى 22 مليار دولار أميركي في الأشهر التسعة الأولى من العام 2015، وهو أدنى مستوى لها مقارنةً بأي فترة تسعة أشهر منذ العام 2008. ومن جهة أخرى، يمكن اعتماد سبل تمويل إضافية كأسواق الدين المحلية والعالمية. وقد قامت المملكة العربية السعودية للمرة الأولى في السنوات الثماني الأخيرة باقتراض نحو 27 مليار دولار أميركي من سوق الدين المحلية. وتقوم دول الخليج حاليًا وعلى نطاق واسع بدراسة عدد من التدابير لزيادة إيراداتها منها على سبيل المثال استحداث ضريبة القيمة المضافة. كما أن صندوق النقد الدولي يوصي بفرض ضرائب بشكل مرحلي. ومع أن تراجع أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة غير مسبوقة، وارتفاع درجات التصنيف السيادي نسبيا، وانخفاض مستويات الدين وزيادة تكلفة الفرصة لصناديق الثروات السيادية، تبرر التوجه إلى الاقتراض لمواجهة العجز بدلاً من تصفية أصول صناديق الثروات السيادية، يرى السيد راغو وجوب المتابعة الحريصة على مدى الأشهر القادمة لقرارات الحكومات الخليجية وتأثيرها على النظام المالي عمومًا. كما توقع راغو أن يؤدي استمرار الضغوط على السيولة إلى تسريع تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها في منطقة الخليج، ما يؤدي إلى تحقيق تحسن على المدى الطويل.
مشاركة :