هذه هي أيام التصويت على ميثاق العمل الوطني الذي يصادف الرابع عشر من فبراير، ففي مثل هذا اليوم تدافع أبناء البحرين للتصويت على الميثاق بإرادتهم الحرة المستقلة، وهذه الذكرى هي الواحدة والعشرين التي نشهدها نحن الموقعون بالموافقة على الميثاق، تلك التواقيع التي يشهدها لها صرح ميثاق العمل الوطني بمنطقة الصخير. مع تجديد ذكرى الميثاق لا بد من التأكيد بأن هذا المشروع نال التصويت الشعبي عليه لما فيه من ديمومة واستمرارية، فهو ليس مشروعًا بمقاس العام 2001، ولكن مشروع متجدد وفق الظروف والمستجدات، وقد حفظ الناس بعد حفظ الله حين تمسكوا به رغم ما تعرضت له البلاد من ظروف صعبة، وأبرزها المؤامرة التي جاءت لتزرع الفتنة الطائفية، وتشق الصف، وتمزق الوحدة الوطني. لقد جاءت بوادر الانفراج السياسي مع تولي جلالة الملك المفدى مقاليد الحكم في العام 1999، ففي ذات العام أشار في خطابه الذي ألقاه في مجلس الشورى إلى أن هناك مشروعًا إصلاحيًا يفوق ما عليه تطلعات المجتمع البحريني، فالكثير من القوى السياسية كانت تطالب بمجلس منتخب (برلمان)، ولكن جلالة الملك المفدى حمد بن عيسى آل خليفة رفع السقف إلى مستويات لم تكن دول المنطقة تحلم بها، ففي أقل من عامين تم تشكيل اللجنة الوطنية لدراسة ميثاق العمل الوطني (في 23 نوفمبر عام 2000 تم تشكيل لجنة وطنية مكونة من 64 شخصية وطنية برئاسة الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة وزير العدل والشؤون الإسلامية آنذاك)، وقدمت مسودة للميثاق في 27 ديسمبر عام 2000 لجلالة الملك، ومن ثم التصويت عليه في 14-15 فبراير 2001 بنسبة 98.4%، وتفعيل مواده حتى تم إصدار دستور البحرين في العام 2002، فتم إطلاق سراح المساجين، وعودة المبعدين، فصل السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتم تدشين المحكمة الدستورية وديوان الرقابة المالية، والترخيص للنقابات العمالية، وحرية الصحافة، ومارس المجتمع البحريني الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والنقد الحر في المجالس والتجمعات، وظهرت الجمعيات السياسية للعمل العلني - رغم أن لنا تحفظا على الجمعيات الطائفية التي خرجت بين ثنايا المشروع -، والمؤسف وقعت تلك الجمعيات فريسة بعض المشاريع الخارجية، وكادت أن تكون أداة طيعة لتدمير مكتسبات المجتمع. من الأقوال المأثورة عن جلالة الملك المفدى هي عن تلك (الأيام الجميلة التي لم نعشها بعد)، وبمقارنة بسيطة بين ما كان عليه المجتمع قبل الميثاق وما بعدها، والمتأمل بعين المنصف يرى الفارق الكبير الذي طرأ على المجتمع البحريني، وعلى جميع الأصعدة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والرياضية، حتى أصحبت البحرين اليوم رغم قلة الموارد موئل الشعوب والمجتمعات، ومقصد شعوب العالم الذي يرى فيها الأمن والاستقرار وصور التسامح والتعايش والمحبة، كل ذلك بعد فضل الله روى جلالة الملك المفدى ومتابعة ولي العهد رئيس الوزراء وإيمان الشعب البحريني بالقيادة الحكيمة. البحرين اليوم وبعد واحد وعشرين عامًا من ميثاق العمل الوطني تختلف وبشكل كبير عما كانت عليه، وهذه بشهادة أبناء الخليج الوافدين إلى البحرين، هي سنوات قليلة في عمر الشعوب والمجتمعات ولكن خلالها استطاع أبناء هذا الوطن من مواكبة المجتمعات المتحضرة، كل ذلك يعود إلى ميثاق العمل الوطني الذي حظي بالإجماع الشعبي، ولا بد من الإشارة أن ذلك جاء بهدف الإصلاح الداخلي، بفلسفة ورؤى ملكية وإيمان وتصديق شعبي. المشروع الإصلاحي جاء قبل أن تتعرض المنطقة العربية لمشاريع تغير خريطة المنطقة، وأبرزها مشروع (الربيع العربي) التدميري الذي أصاب الكثير من الدول العربية! لقد جاء ميثاق العمل الوطني ليعزز جانبًا مهمًا في الدولة المدنية التي يستظل تحت المواطن، فقد عزز الميثاق جانب حقوق الإنسان، فتم توفير الحياة الكريمة من تعليم وسكن ووظيفة، وتم تعزيز صور الأخوة والتعايش السلمي والتكافل الاجتماعي، بل اهتمت الدولة خلال العامين الماضيين بالجانب الصحي الذي اعتبرته من أولويات العمل الوطني في ظل جائحة كورونا المستجد الذي ضرب العالم مع بداية العام 2020، وجاء الميثاق ليقف مع المرأة لتنال مكانتها الطبيعية، فتم تمكينها حتى بلغت قبة البرلمان ومجلس الشعب والبلديات. هذه الذكرى الواحدة والعشرين من عمر ميثاق العمل الوطني، وهي الذكرى التي يجب أن يحتفل بها المجتمع البحريني كما يحتفل بيوم الاستقلال وعيد الجلوس وسائر المناسبات الوطني.
مشاركة :