تأثير الأحداث العالمية في أجيال المستقبل

  • 2/15/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في‭ ‬كتابه‭ ‬المهم‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2008‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬سنكون‭ ‬عليها‮»‬،‭ ‬اعتمد‭ ‬أخي‭ ‬جون‭ ‬زغبي‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬استطلاع‭ ‬الرأي‭ ‬التي‭ ‬أجريناها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬الاقتراع‭ ‬لمراقبة‭ ‬وتعريف‭ ‬القيم‭ ‬ووجهات‭ ‬النظر‭ ‬العالمية‭ ‬الفريدة‭ ‬لأترابنا‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭.‬ اعتبر‭ ‬أخي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬المذكور‭ ‬آنفا‭ ‬أن‭ ‬التجارب‭ ‬الحياتية‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬هؤلاء‭ ‬والتي‭ ‬يشتركون‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬المعاصرين‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيلهم،‭ ‬والمتمثلة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬واللحظات‭ ‬المؤلمة،‭ ‬قد‭ ‬شكلت‭ ‬وجهات‭ ‬نظرهم‭ ‬وصهرت‭ ‬قيمهم‭ ‬وشعورهم‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬القيام‭ ‬به‭.‬ لقد‭ ‬تشكل‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬تنتمي‭ ‬إليه‭ ‬والدتي،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬وحالة‭ ‬الكساد‭ ‬العظيم‭. ‬في‭ ‬خضم‭ ‬تلك‭ ‬الظروف‭ ‬العصيبة‭ ‬من‭ ‬المشقة‭ ‬والضياع،‭ ‬كانوا‭ ‬يكابدون‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ويدخرون‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬لأنفسهم‭ ‬ولذريتهم‭.‬ لقد‭ ‬غذَّت‭ ‬تلك‭ ‬التضحيات‭ ‬الجسيمة‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬تلك‭ ‬الحروب‭ ‬الكبرى‭ ‬مشاعر‭ ‬الحماسة‭ ‬الوطنية،‭ ‬والإيمان‭ ‬بالحكومة‭ ‬كعامل‭ ‬تغيير‭ ‬بنّاء،‭ ‬والالتزام‭ ‬بالخدمة‭ ‬الوطنية‭.‬ عاش‭ ‬جيلي‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬و«الذعر‭ ‬الأحمر‮»‬‭. ‬لقد‭ ‬كنا‭ ‬نختبئ‭ ‬تحت‭ ‬طاولاتنا‭ ‬في‭ ‬مدرستنا‭ ‬أثناء‭ ‬التمارين‭ ‬المنتظمة‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نتدرب‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬التصرف‭ ‬خلال‭ ‬الهجمات‭ ‬النووية‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الاختباء‭ ‬لم‭ ‬يوفر‭ ‬لنا‭ ‬أي‭ ‬حماية،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬زرع‭ ‬فينا‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬‮«‬القنبلة‮»‬‭ ‬والشيوعيين‭ ‬الذين‭ ‬قيل‭ ‬لنا‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬يهاجموننا‭.‬ بعد‭ ‬ذلك‭ ‬جاءت‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭ ‬وعمليات‭ ‬التجنيد‭ ‬لتجبر‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬خوض‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الانتصار‭ ‬فيها‭. ‬أدت‭ ‬الحركة‭ ‬المناهضة‭ ‬للحرب‭ ‬إلى‭ ‬زرع‭ ‬الانقسامات‭ ‬في‭ ‬الأمة‭ ‬وحطمت‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬الوطنية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬انبثقت‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭.‬ في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬كانت‭ ‬حركة‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬تتنامى‭ ‬ويزداد‭ ‬زخمها‭. ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬تلك‭ ‬الحركة‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تكريس‭ ‬حقوق‭ ‬السود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬ولدت‭ ‬أيضا‭ ‬وعيًا‭ ‬متزايدًا‭ ‬بالظلم‭ ‬العنصري‭.‬ لابد‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬الجسيمة‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬أنتمي‭ ‬إليه‭ ‬قد‭ ‬اهتز‭ ‬بسبب‭ ‬الاغتيالات‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جون‭ ‬كينيدي،‭ ‬وشقيقه‭ ‬روبرت‭ ‬كنيدي‭ ‬والزعيم‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬السقوط‭ ‬المدوي‭ ‬للرئيس‭ ‬ريتشارد‭ ‬نيكسون‭.‬ خلَّفت‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬الجسيمة‭ ‬صدمة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وأثرت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬السائدة‭ ‬التي‭ ‬سيطرت‭ ‬على‭ ‬جيل‭ ‬كامل‭. ‬ بلغ‭ ‬أطفالي‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬بدأت‭ ‬بهدوء‭ ‬نسبي،‭ ‬حيث‭ ‬انتهت‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وسط‭ ‬نشوة‭ ‬الإحساس‭ ‬بأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هي‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬الوحيدة‭ ‬المنتصرة‭.‬ كانت‭ ‬هناك‭ ‬مشاكل‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭. ‬أصبحت‭ ‬السياسات‭ ‬الحزبية‭ ‬مريرة‭ ‬كما‭ ‬تفاقمت‭ ‬الفوارق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬واستمرت‭ ‬حالة‭ ‬الغليان‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬المظالم‭ ‬العنصرية‭. ‬بالمقابل،‭ ‬ورغم‭ ‬تلك‭ ‬المشاكل،‭ ‬فقد‭ ‬عاش‭ ‬الكثيرون‭ ‬طيلة‭ ‬قرابة‭ ‬عقد‭ ‬ونصف‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬يحدوهم‭ ‬خلالها‭ ‬شعور‭ ‬متجدد‭ ‬من‭ ‬الوعود‭ ‬والأمل‭.‬ ذلك‭ ‬الهدوء‭ ‬مزقته‭ ‬هجمات‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬الإرهابية‭ ‬وما‭ ‬أعقبها‭ ‬من‭ ‬خوف‭ ‬وهستيريا‭ ‬وطنية‭. ‬لقد‭ ‬تسببت‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬في‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬في‭ ‬الأرواح‭ ‬ودِيست‭ ‬البراءة‭ ‬وضربت‭ ‬مكانة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬ في‭ ‬محاولة‭ ‬لإعادة‭ ‬بث‭ ‬روح‭ ‬الحماسة‭ ‬التي‭ ‬عززت‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬خلال‭ ‬الحروب‭ ‬الكبرى‭ ‬والحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬جعلت‭ ‬إدارة‭ ‬بوش‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬وصدام‭ ‬حسين‭ ‬وإيران‭ ‬تهديدات‭ ‬وجودية‭. ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬الحروب،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬الوحيدة‭ ‬كما‭ ‬تفاقمت‭ ‬الانقسامات‭ ‬وتعمقت‭. ‬ تعرضت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الكساد‭ ‬الكبير‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2008‭ ‬و2009‭. ‬في‭ ‬غضون‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط،‭ ‬تضاعفت‭ ‬أرقام‭ ‬البطالة،‭ ‬وفقد‭ ‬الكثيرون‭ ‬مدخرات‭ ‬حياتهم،‭ ‬وعجز‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬خمسة‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المنازل‭ ‬عن‭ ‬تسديد‭ ‬رهوناتهم‭.‬ في‭ ‬خلق‭ ‬تلك‭ ‬الهواجس‭ ‬والمخاوف‭ ‬الوطنية،‭ ‬انتخب‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬رئيسًا‭ ‬برسالة‭ ‬أمل‭ ‬وتغيير‭. ‬ما‭ ‬لبثنا‭ ‬أن‭ ‬رأينا‭ ‬انطلاق‭ ‬حملة‭ ‬مثيرة‭ ‬للانقسام،‭ ‬تضمنت‭ ‬مواضيع‭ ‬خفية‭ ‬وأخرى‭ ‬ظاهرة‭ ‬تزرع‭ ‬الكراهية‭ ‬العنصرية‭ ‬ومعاداة‭ ‬‮«‬الآخر‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬أفسح‭ ‬المجال‭ ‬لاستقطاب‭ ‬حزبي‭ ‬أعمق،‭ ‬وكراهية‭ ‬الأجانب،‭ ‬وتراجع‭ ‬ثقة‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحظى‭ ‬بالاحترام،‭ ‬ليتم‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬انتخاب‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭.‬ بعد‭ ‬أن‭ ‬استعرضنا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬طغت‭ ‬على‭ ‬العقود‭ ‬والسنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬يحق‭ ‬للمرء‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬يتساءل‭ ‬عن‭ ‬اللحظات‭ ‬والأحداث‭ ‬التي‭ ‬ستشكل‭ ‬و‭/ ‬أو‭ ‬تثخن‭ ‬حياة‭ ‬أحفادنا‭.‬ تبجح‭ ‬زميل‭ ‬حفيدتي‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬مؤخرًا‭ ‬وقال‭ ‬متفاخرا‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬تدريب‭ ‬إطلاق‭ ‬نار‭ ‬نشط‭ ‬‮«‬قام‭ ‬بتأمين‭ ‬أفضل‭ ‬مكان‭ ‬للاختباء‮»‬‭ - ‬حيث‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬أي‭ ‬مسلح‭ ‬أن‭ ‬يعثر‭ ‬عليه‭ ‬أبدا‭.‬ ‭ ‬يتقبل‭ ‬الأطفال‭ ‬الآن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التدريبات‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬روتينية،‭ ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك‭ - ‬مع‭ ‬إطلاق‭ ‬نار‭ ‬جماعي‭ ‬يحدث‭ ‬يوميا‭ ‬تقريبًا‭ ‬وبمعدل‭ ‬إطلاق‭ ‬نار‭ ‬في‭ ‬مدرستين‭ ‬كل‭ ‬شهر‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬العرقي‭ ‬العميقة،‭ ‬والحركات‭ ‬الجماهيرية‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬الشرطة‭ ‬الوحشية‭ ‬وأعمال‭ ‬العنف‭.‬ تفشت‭ ‬جائحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ (‬كوفيد‭-‬19‭) ‬فتعطلت‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬خلال‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭ ‬ووجد‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬مراحل‭ ‬النمو‭ ‬العمرية‭ ‬أنفسهم‭ ‬محرومين‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المطلوب‭ - ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تأثيره‭ ‬في‭ ‬تعلمهم‭.‬ لا‭ ‬ننسى‭ ‬أيضا‭ ‬تنامي‭ ‬حالة‭ ‬الغضب‭ ‬الحزبي،‭ ‬وتأجيج‭ ‬مشاعر‭ ‬كراهية‭ ‬‮«‬الآخرين‮»‬،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تداعيات‭ ‬حقبة‭ ‬رئاسة‭ ‬ترامب‭ ‬والآثار‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬ثقافتنا‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭.‬ هذه‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬العصر‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬بعيد‭ ‬المدى‭ ‬في‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬سيبلغ‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القرن‭ ‬الجديد‭. ‬سنرى‭ ‬كيف‭ ‬ستسير‭ ‬الأمور‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬استعادة‭ ‬ذلك‭ ‬الشعور‭ ‬بالهدف‭ ‬المشترك‭ ‬والوحدة‭ ‬الوطنية‭. ‬ { رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

مشاركة :