مسؤولية القيادة الفلسطينية عن ضياع قضية فلسطين وتفكّك منظمة التحرير

  • 2/14/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثار اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الذي عقد أخيراً في مقر السلطة في رام الله جدالات وخلافات كثيرة ومهمة، وربما ستكون له تداعيات خطيرة بين الفلسطينيين، على رغم أن هذا المجلس لم يأتِ بأي جديد على صعيد إعادة ترتيب البيت الفلسطيني. تمكن إحالة ذلك لأسباب عديدة، ربما يكمن أهمها في الآتي: أولاً، أن القيادة الفلسطينية التي أصرت على عقد هذا الاجتماع، وهي قيادة المنظمة والسلطة وحركة "فتح"، لم تمهد له تماماً، ولم تأخذ في اعتبارها، لا ضعف الثقة بين الفصائل، ولا الإحباط السائد بين الفلسطينيين الناجم عن إخفاق محادثات الوحدة، وإنهاء الانقسام (بين "فتح" و"حماس")، والتي جرت طوال العام 2020، واجهاض الرئيس الفلسطيني التوافق على عملية الانتخابات، التي قررها هو ذاته في كانون الثاني (يناير) ليقوم بإلغائها بعد أربعة أشهر (نيسان/ أبريل 2021). ثانياً، لم تأتِ مقررات المجلس المركزي بأي جديد، فهي نصّت، مثلاً، على تعليق الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، وإقامة حكومة وحدة وطنية، وحتى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني، بحيث بدت مجرد إنشاء، أو للتورية والتلاعب، إذ هي تكرار لقرارات دورات المجلس المركزي التي سبقتها، وقرارات الدورة الـ 23 للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في العام 2018. ثالثاً، لم تجرِ خلال الاجتماع أي عملية مراجعة أو نقد أو مساءلة للقيادة الفلسطينية عن عدم تنفيذ القرارات السابقة، ومن ضمنها تفعيل منظمة التحرير ووقف التنسيق الأمني وإجراء الانتخابات، مثلاً، بل تم وبخفة تكرار البنود نفسها، وكأن المجلس مجرد شاهد زور فقط. رابعاً، بدا واضحاً، ومتوقعاً، إن الهدف من عقد المجلس المركزي مجرد تكريس لنقل صلاحيات المجلس الوطني إليه، لملء الشواغر في منظمة التحرير (رئاسة المجلس الوطني وعضوية اللجنة التنفيذية)، وفقاً لما يريده الرئيس، ولما تم ترتيبه في حركة "فتح". خامساً، الأخطر بين كل ما تقدم أن القيادة الفلسطينية أضحت تمرّر خطاباً سياسياً يتناقض مع الرواية التاريخية المؤسسة للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ولتعريف الشعب والأرض والقضية، وحتى لطبيعة إسرائيل كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية منذ قيامها في 1948، وليس فقط منذ احتلالها الضفة والقطاع (1967). وهذا ما لفت إليه تصريح لملتقى فلسطين، الذي حدد ذلك في قرارات دورات المجلس المركزي، والمجلس الوطني (الدورة 23 2018). مثلاً الآتية: "علاقة شعبنا ودولته مع حكومة إسرائيل القائمة بالاحتلال، قائمة على الصراع بين شعبنا ودولته الواقعة تحت الاحتلال وبين قوة الاحتلال". وفي نص بيان الدورة 31: "تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل لحين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967." و"لا اعتراف ولا تطبيع من قبل الدول العربية والإسلامية إلا بعد إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية". و"دولة فلسطين هي وحدها صاحبة السيادة على الأرض الفلسطينية وفق حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وأن وجود الاحتلال بجيشه ومستوطنيه على أرض دولة فلسطين هو وجود غير شرعي". الآن، يفهم من البنود السابقة أن كفاح الشعب الفلسطيني المعاصر، منذ مطلع القرن الماضي، وتحديداً الذي بدأ مع انطلاقة فتح (1965)، وتأسيس منظمة التحرير (1965)، أي قبل احتلال إسرائيل الضفة والقطاع في حرب حزيران (يونيو) 1967، لم يكن مشروعاً، وأنه كان في غير محله، كأن إسرائيل كانت دولة طبيعية، وحملاً وديعاً، قبل ذلك، كما يعني التخلي عن الرواية المؤسسة للهوية الوطنية وللكفاح الفلسطينيَيْن القائمة على النكبة (1948)، وإزاحة قضية اللاجئين، وحق العودة، وتالياً لكل ذلك، أو الأخطر من كل ذلك تفكيك مفهوم وحدة فلسطين/ القضية والشعب والأرض والرواية التاريخية! وفي الواقع، فإن ذلك يفيد بأن القيادة الفلسطينية أضحت تبدو كمن تخلى عن مشروعيته، بخروجها عن السياق التاريخي الذي نشأت عليه الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، أي انقلبت على الشرعية التي قامت عليها، علماً أن لا أحد يجبرها على خيارات كهذه، إذ إن إسرائيل ذاتها تصر على أنها دولة يهودية، وأن حدودها من النهر إلى البحر، وأن الشعب الفلسطيني غير موجود، أو فائض عن الحاجة، وأنها فقط تتكرم عليه في تمكينه من إقامة سلطة ذاتية لإدارة أحواله. من جهة أخرى، فإن القيادة الفلسطينية، عبر كل تلك التوجهات أو الانزياحات، تحاول نيل ثقة الطرفين الأميركي والإسرائيلي، كأن كل تلك التقديمات التي طرحتها منذ توقيع اتفاق أوسلو، قبل قرابة ثلاثة عقود، لم تكفِ، أو كأن إسرائيل ستقدم لها شيئاً، كإيقاف الاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم البيوت، وهو ما فضحته تقارير دولية باعتبارها إسرائيل دولة استعمار وأبارتهايد وتضطهد الفلسطينيين، بل إن إسرائيل تفعل كل ما من شأنه الحط من قيمة السلطة الفلسطينية إزاء شعبها، وضمن ذلك هدم البيوت في الشيخ جراح، وقتل فلسطينيين في المدن التي تخضع للسلطة الفلسطينية (نابلس أخيراً). وللأسف فإن ما يغيب عن بال القيادة الفلسطينية، وهي قيادة لحركة وطنية عريقة ومجربة عمرها 57 عاماً، لشعب مثقف وضليع بالسياسة، أن أي حل للصراع يحتاج إلى موازين قوى مناسبة، وإلى معطيات دولية وعربية مواتية، وأنه من دون توفر عنصري الحقيقة والعدالة، والتمسك بالحقوق الفردية والجمعية، المدنية والوطنية، فإن الصراع سيستمر بشكل أو بآخر. وتبعاً لذلك فإن الأولوية اليوم تكمن في إعادة بناء البيت الفلسطيني؛ وهو ما لا يبدو في اهتمامات القيادة الفلسطينية.

مشاركة :