يصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإمارات الاثنين في أول زيارة له للبلد الخليجي الثري منذ نحو تسع سنوات، بعد عودة الدفء إلى العلاقات بين القوتين الإقليميتين اللتين وقفتا على النقيض في العديد من ملفات المنطقة. ومن المنتظر أن تتوج الزيارة مرحلة تقارب غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين خلال الشهور الثلاثة الماضية، ظهرت جليا في القمم المتواصلة والمباحثات المكثفة والزيارات المتبادلة، والعدد الكبير لاتفاقيات التعاون بين الجانبين خلال الفترة نفسها. وزيارة أردوغان التي تستمر يومين هي الأولى له منذ فبراير 2013 حين كان رئيسا للوزراء، بينما تشهد تركيا مصاعب اقتصادية كبرى وتبحث عن استثمارات أجنبية جديدة، وفيما تواجه الإمارات خطرا أمنيا متزايدا من قبل المتمردين اليمنيين. وحتى وقت قصير مضى، كان البلدان على طرفي نقيض في ملفات عدة، بينها الملفان الليبي والسوري ومسألة التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، وقدّمت تركيا الدعم كذلك لأعضاء في جماعات إسلامية بينها "الإخوان المسلمين" المصنّفة تنظيما إرهابيا في الإمارات والخليج. لكن مؤخرا شهدت العلاقات إرادة نحو التطبيع ضمن سياسة "تصفير" المشاكل التي باتت تعتمدها الإمارات إقليميا، مع زيارة قام بها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا في نوفمبر الماضي، هي الأولى لمسؤول إماراتي بهذا المستوى منذ 2012. واستبق أردوغان زيارته بتوجيه رسائل عدة تبرز حرصه على تعميق العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين البلدين، ودفعها قدما إلى الأمام. وقال أردوغان في مؤتمر صحافي الاثنين إنّ "الحوار والتعاون بين تركيا والإمارات مهمان لسلام واستقرار المنطقة بأسرها". وأضاف "سنناقش التطورات الإقليمية والدولية بالتفصيل خلال محادثاتنا اليوم (الاثنين) وغدا (الثلاثاء)"، مضيفا أنه "ستّتم مناقشة الوضع بين أوكرانيا وروسيا الذي عرضت أنقرة التوسط فيه". وفي مقال نشرته صحيفة "خليج تايمز" الإماراتية قبيل زيارته، كتب الرئيس التركي أن "تركيا والإمارات يمكن أن تسهما معا في السلام والاستقرار والازدهار الإقليمي"، مضيفا "ستكون لهذا التعاون انعكاسات إيجابية ليس فقط في العلاقات الثنائية ولكن أيضا على المستوى الإقليمي". وقال أردوغان "نحن لا نفصل بين أمن واستقرار دولة الإمارات وإخواننا الآخرين في منطقة الخليج، وأمن واستقرار بلدنا. نحن نؤمن بشدة بأهمية تعميق تعاوننا في هذا السياق في المستقبل". وبحسب وسائل إعلام تركية، سيجري التوقيع خلال الزيارة على 12 اتفاقية في عدة مجالات، بينها الإعلام والاتصالات، والصناعة الدفاعية، والشحن البري والبحري، والزراعة، والتكنولوجيا، والصحة وغيرها. وكتب أردوغان في مقاله أنه بالإضافة إلى الطاقة والصحة والزراعة والخدمات اللوجستية والبنية التحتية والتمويل والسياحة، "نهدف إلى تعزيز التعاون بين تركيا والإمارات بشأن تغير المناخ والأمن المائي والغذائي أيضا". وتابع "أعتقد أن كلا الجانبين حريص على تحديد أهداف جديدة للمزيد من الاستثمار والتعاون". ومن المقرر أن تستقبل الإمارات ضيفها بحفاوة عبر عرض مرئي على واجهة برج خليفة، أطول مباني العالم، وإضاءة أهم المعالم والمؤسسات والمباني الإماراتية بألوان العلمين الإماراتي والتركي. وكتب المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش على تويتر عشية وصول أردوغان، أن الزيارة "تفتح صفحة إيجابية جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين". وخلال زيارة ولي عهد أبوظبي لتركيا، جرى تأسيس صندوق بقيمة عشرة مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا، وذلك غداة تسجيل الليرة التركية انخفاضا كبيرا أمام الدولار. ويرغب أردوغان في جذب استثمارات جديدة لبلاده التي تعاني من مستوى تضخم قياسي هو الأعلى منذ 2002. ومن المرجح أن يزور السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد عربي، هذا الشهر للمرة الأولى منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في 2018. وبلغت قيمة التجارة بين تركيا والإمارات في النصف الأول من عام 2021 أكثر من سبعة مليارات دولار، بنمو بلغ 100 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020، بحسب إحصائيات إماراتية رسمية. وتأتي تركيا في المرتبة الحادية عشرة بين أكبر الشركاء التجاريين للإمارات، فيما تمثّل الدولة الخليجية الثرية الشريك التجاري الثاني عشر لتركيا عالميا والشريك التجاري الأكبر لتركيا على مستوى منطقة الخليج. وثمة ما يقارب 400 شركة في تركيا مؤسسة برأس مال إماراتي، ويعتبر قطاع العقارات على رأس قائمة الاستثمارات الإماراتية في هذا البلد، إلى جانب استثمارات كبيرة في قطاع المصارف، وتشغيل الموانئ والقطاع السياحي. ومن المفترض أن يجري أردوغان محادثات مع المسؤولين الإماراتيين الاثنين، قبل أن يزور جناح تركيا في معرض إكسبو دبي الثلاثاء.
مشاركة :