في الحلقة الماضية حدثنا المستكشف وعالم الرياضيات الألماني نيبور عن علم (السيميا) أو ما يطلق عليه الأوربيون اسم لعبة كأس النرد. الذي يعلم سر أكل الأفاعي، وأسرار النار وأشياء أخرى من دون التعرض للخطر وخدع مثل تحويل البيضة إلى دجاجة، والغبار إلى فاكهة، ووضع الرمال في صحن مليء بالماء وإخراجه جافاً والذي وجده يمارس في شمال شرق جزيرة العرب عام 1765م بشكل مختلف وتحت مسمى السحر. تمارس هذه القدرات حسب وصفه في الشوارع العامة كل ليلة جمعة وفي حفل سنوي ضخم من قبل جماعة بدر الدين وأتباعه الدراويش لإثبات حقيقة مذهبهم وقداسة مؤسس جماعاتهم بما يعتبرونه معجزات يقومون خلالها باللجوء إلى خدع وحيل تظهر للمشاهد وكأنهم يغرسون الأسياخ الحديدية في عيونهم وأجسادهم على قرع الطبول والأهازيج الشركية والتي كان يعرف حقيقتها الألماني فأراد أن يكشف اللعبة أثناء ما عرض بعض المال على درويشاً بارزاً شارك بالعرض وقام بشك جسده بسيخ على شكل خازوق اخترق جسده من الأسفل للأعلى شريطة أن يعيد نفس العرض أمامه وبمعرفته والخضوع لعملية تفتيش لأماكن الطعن من الجسد فقبل الدرويش الرهان فوراً دون تردد عند ما أخذ يحدث نيبور عن قدراته بجرأة حتى ظن بأنه سينفذ وعده، وحين جاءت ساعة الامتحان طلب منه نيبور بحضور أحد مشايخ مذهبه استخدام نفس الأسياخ وبنفس طريقة الشك والخوزقة التي مارسها أمام الجمهور. وهنا بدأت تتضح الصورة عند ما قال إنه بحاجة لأداء الصلاة حتى يكون مهيأ لتحمل الطعنات ثم خرج من صلاته لأداء حركات بعيدة كطعن اللسان ببعض الإبر وشك الخد بالدبابيس الرفيعة دون خروج الدم فتمنى عليه نيبور أن ينتقل إلى موضوع الرهان مباشرة بجد وكما شاهده في العرض العام عندها ادعى مرة أخرى حاجته إلى المزيد من الصلوات استعان بعدها بصوت واضح وجلي بالله وبشيخه بدر الدين مؤسس الجماعة وفي موقف لا يحسد عليه أعلن للمرة الثالثة والعرق يتصبب من جبينه أنه لا زال يحتاج إلى المزيد والمزيد من الصلوات بمشاركة جماعة من أتباع شيخه خرج منها وسط التكبير والتهليل بشك فروة رأسه بدبوس رفيع ثم انتزعه بسرعة دون خروج الدم وعزا الأمر إلى بركة مقام مؤسس جماعته. يقول نيبور في كتابه (وصف أقاليم شبه الجزيرة العربية) معلقاً على المشهد: أعلمته أنه لم ينفذ ما يخص الرهان وأن ما قام به أمر هامشي يستطيع أداءه الأوروبيون حيث يمكنهم ثقب جلودهم بأسياخ رفيعة دون أن ينزفوا ثم واجهته بما استطعت معرفته عنهم، وأخبرته بأنه مجرد محتال لا يعرف القداسة وأنه وجماعته يخادعون البسطاء والسذج من الناس للاستيلاء على أموالهم بالباطل وتضليلهم والترويج لمذهب شيخهم ومؤسس جماعتهم، ومع ذلك دفعت له أجره لأنه نال من الألم ما يوازي ما دفعت له. ثم يكشف قواعد وأسرار اللعبة القذرة باستغلال سذاجة وجهل فئات انقادت لهم ولألاعيبهم مثل ما تنقاد البهائم. ويكمل نيبور: قلت للشيخ والصديق وهو من فئتهم الذي اصطحبته كشاهد معي وكان لا يوافق على قراءة القرآن في وسط صخب المتجمهرين للعرض وجنونهم لكنه يدعي أن مثل هذه القراءة إذا ما اجتمعت مع صلوات حارة تمنح الدرويش القدرة على فعل المعجزات وحين شرحت له أن هؤلاء لا يغرزون الدبوس في عيونهم كما يعتقد السذج بل يضربون رؤوسهم بأيديهم ولا يدخلون رأس السيخ إلا في أغوار عيونهم وأن الممثل الرئيس يرتدي تحت قميصه الواسع ملابس ملفوفة وزناراً (حزام) يتلقى الأسياخ وطعناتها بدلاً من جسده (الزنار حزام يعد جزءاً من الملابس التي طلب الذميون ارتداءها عند فتح الإسلام لبلاد الشام لإثبات هوياتهم والتفريق بينهم وبين المسلمين) فكشف له شيخ الدراويش سراً أنه كان لا يصدق هذا الخداع لكنه لا يتجرأ على إعلان الأمر كي لا يجلب لنفسه المتاعب من رئيس الجماعة وأتباعه ومن الدراويش كلهم وأذاع له سراً أن شيخاً منهم تعرض لمتاعب عدة منذ فترة بعد أن أعرب عن وجهة نظره حول علوم الدراويش وحيلهم للتغرير بأتباعهم.
مشاركة :