يزدهر الإبداع بتكامل قيم الابتكار مع الجوهر الثقافي، ولعلّ دبي بما تحتضنه من فرص واعدةٍ وأفكار خلّاقة وعقولٍ مبدعة وغنىً تاريخي وتراثي هي خيرُ ملتقىً لهذه المقوّمات التي ترسخ مكانتها الرائدة كإمارة تحفل بالإبداع والابتكار. وفي الوقت الذي تشهد فيه دولة الإمارات العربية المتحدة عقد أسبوع الابتكار الأول من نوعه، انطلاقاً من توجيهات والدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فإننا نمضي قدماً في تحقيق قفزات نوعيّةٍ من حيث توظيف الابتكار لإثراء المشهد الثقافي الفريد في المدينة. ولا شك بأن الابتكار في الحقل الإبداعي له دورٌ حاسم في الارتقاء بمستوى الرفاه الاجتماعي وتعزيز السمعة الاستثنائية التي تتمتع بها الدولة. وللابتكار فائدتان رئيسيتان، تتمثل الأولى في القيمة الاجتماعيّة التي يحققها ازدهار المشهد الثقافي مما ينعكس بصورة إيجابيّة على سعادة أفراد المجتمع. وكما يذكرنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إن عملنا اليومي هو تحقيق السعادة، فالابتكار الثقافي يوسّع آفاق الفضاء الفني، ويسلّط الضوء على أعداد أكبر من المواهب الواعدة، إضافةً إلى دوره في تفعيل مشاركة المجتمع المحلي كرافد حقيقي لنمو المشهد الثقافي. قيم مضافة أما الفائدة الثانية، فتتمثل في تحقيق قيمة اقتصادية مضافة، فالقطاعات الإبداعية تساهم بحصة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي عالمياً. ووفقاً لتقرير أصدره مكتب التحليل الاقتصادي في وزارة التجارة الأميركية عام 2015، فإن القطاعات الإبداعية في الولايات المتحدة تساهم بما يعادل 698 مليار دولار في الاقتصاد القومي، وتوفر فرص عمل لنحو 4.7 ملايين شخص، وتغذي فائض الميزان التجاري بـ25 مليار دولار. مساهمة وفي الإطار ذاته، يفيد تقرير صادر عن الحكومة البريطانية بأن القطاعات الإبداعية، بما فيها التلفزيون والسينما والموسيقى، تبلغ مساهمتها الحالية في الاقتصاد الوطني 116.7 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 13.36 مليون دولار 49 مليون درهم إماراتي في الساعة الواحدة. وإذا ما نظرنا إلى نمو القطاعات الإبداعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن النتائج إيجابيّةٌ أيضاً، مع وصول قيمة قطاع التصميم إلى 100 مليار دولار في عام 2014، وذلك وفقاً لأرقام تضمنها تقرير حول قطاع التصميم في هذه المناطق والذي أعده مجلس دبي للتصميم والأزياء. مقومات وبالنسبة لي، فإن رحلةَ تطور القطاع الثقافي في دبي قد بدأت لتوّها، إذ عملنا خلال السنوات القليلة الماضية على توفير المقومات اللازمة لنمو وازدهار القطاعات الإبداعية. ومثالُ ذلك إطلاق موسم دبي الفني من قبل هيئة دبي للثقافة والفنون، الذي يضم مجموعة من أهم الفعاليات الفنية في الإمارة مثل آرت دبي ومعرض سكة الفني. وهي الفعاليات التي تدعم وجود أسس قوية لمشهد فني محلي متفرد بكل المقاييس. ومن جانب آخر، فإن إطلاق مهرجان دبي السينمائي الدولي وتأسيس مدينة دبي للاستديوهات ولجنة دبي للإنتاج السينمائي والتلفزيوني قد ساهم في تسريع عجلة نمو صناعة السينما في إمارة دبي. قفزات نوعية وبالمثل، شهدنا تحقيق قفزات نوعية في شتى مجالات التعبير الإبداعي، بما فيها الآداب والموسيقى والفنون الأدائية. ونحن على ثقة بأن حصة هذه القطاعات من إجمالي الناتج المحلي للإمارة ستزداد خلال السنوات المقبلة. وباحتضان ما يزيد على 200 جنسية مختلفة من شتى أصقاع الأرض، تصبح دبي منطلقاً لا يُضاهى لمد جسور الحوار الثقافي البنّاء بين الحضارات، في الوقت الذي يرسم هذا التنوع الثقافي ملامح فريدة وهوية عالميّة للقطاعات الإبداعية في الإمارة التي أصبحت مركزاً ثقافياً عالمياً ووجهة أولى للمواهب والكفاءات الواعدة. وعلينا أن نوظف ما يتحقق من إنجازات في القطاع اليوم، ودورها في تعزيز الازدهار على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لنرتقي بمشهدنا الثقافي، ومعه القطاعات الإبداعية، إلى مستويات جديدة من التميز. وأما الآلية الكفيلة بتغيير قواعد اللعبة، فهي الابتكار. أجندة وهذا ما نصبو إليه عبر أجندة فعاليات غنية خلال أسبوع الإمارات للابتكار. لقد أعددنا برنامجاً شاملاً يحث جميع أفراد المجتمع على التواصل والتفكير وتطوير أفكار إبداعية قادرة على إثراء مشهدنا الثقافي وللارتقاء به إلى مستوى الطموحات، وذلك ابتداء من ورش العمل التي تشجع الأطفال على استكشاف ملَكاتهم الإبداعية ووصولاً إلى مختبر الفن الذي يجمع تحت مظلته الشركاء والمعنيين بالقطاع الفني. محرك الابتكار وفي الوقت ذاته، نقدم محركاً جديداً للابتكار الثقافي ينسجم مع تطلعات وطموحات المجتمع، من خلال منصة كريتوبيا الإبداعية الإلكترونية، المنصة الأولى من نوعها بدعم حكومي، والمكرسة للخبراء والمختصين في القطاع الثقافي والإبداعي في دبي والمنطقة، حيث تتيح لهم تعزيز حضورهم في العالم الافتراضي وعرض أفضل أعمالهم، كما توفر لهم منبراً لتبادل الأفكار وصقل المهارات والتواصل مع المعنيين بالقطاع من خلال تسهيل الوصول إلى مجموعة متكاملة من الحلول الإبداعية. إنها خطوة أخرى لتشجيع الفنانين ورواد الإبداع والقطاعين الحكومي والخاص على التعاون. وتستند هذه المنصة إلى أهداف خطة دبي 2021 التي تدعو إلى فضاء أرحب من الشمولية والسعادة والاستدامة. وهذه جميعها نتائج طبيعية في مدينة تعيش سعياً دائماً وراء التميز الثقافي والإبداعي. طرق وسيكون الإبداع عنصراً حاضراً بقوة في مستقبل دبي، إن يكن من خلال إيجاد طرق جديدة لتبادل المعلومات، أو توظيف وتطوير الموارد والمصادر الحالية للتغلب على التحديات المستمرة، أو من خلال توفير ساحات فكر جديدة للجيل القادم من الشركات التي يحتضنها المجتمع المحلي. وضمن أسبوع دبي للابتكار، أطلقنا كتاباً جديداً بعنوان إبداع دبي، والذي يعد مدخلا يساعدنا في تحديد ملامح تحول دبي إلى اقتصاد مبدع من خلال تجارب ورؤى المجتمع الإبداعي نفسه وجميع أصحاب المصلحة الآخرين. كلنا ثقة بأن المستقبل يخبئ فرصاً مهمة للعاملين في مشهد دبي الثقافي والإبداعي، فلدينا كل المقومات والمؤهلات التي تؤسس لوجهة يزدهر فيها الإبداع، خاصة في ظل وفرة المواهب والكفاءات في مجتمعنا الإبداعي، بالإضافة إلى قطاع الأعمال الذي يحقق نمواً متواصلاً، والقيادة الحكيمة التي تقف بعزيمة وثبات وراء السعي الحثيث إلى صعود قمم جديدة للتقدم والابتكار. ولا شك في أن كريتوبيا ستفتح الأبواب واسعة على ملحمة ثقافية جديدة في المنطقة تبدأ من دبي. ومن المؤكد أيضاً أن هذه الرحلة، التي تنطلق من ملتقى الإبداع والابتكار، ستمهد المزيد من الطرق لنمو وتطور قطاعاتنا الإبداعية.
مشاركة :