أسهم تنامي الوعي الاجتماعي بأهمية الحفاظ على المواقع الأثرية وإعادة تأهليها في تنافس الأهالي في معظم محافظات منطقة عسير على ترميم العديد من القرى الأثرية بمجهودات ذاتية. وكشفت جولة لـ"واس" في عدد من المراكز التابعة لمحافظة المجاردة (150 كيلو متراً شمال غرب مدينة أبها) عن بعض المبادرات الأهلية لإعادة تأهيل القرى التراثية . وبرزت في هذا الإطار مبادرة المواطن عبدالعزيز بن رزحان الشهري، لإعادة تأهيل وترميم قرية "الحشاة" الأثرية التابعة لمركز "ختبة" بمحافظة المجاردة، التي بدأها منذ سنتين تقريباً. وتتميز "الحشاة" بتلاصق مبانيها وارتفاعها النسبي بالمقاييس المحلية القديمة، حيث أن بعض المنازل فيها تصل إلى أربعة طوابق، وتوفر جميع متطلبات الحياة قديماً داخلها. ويشير الشهري في حديثه لـ"واس" إلى القرية التراثية المرممة تحتوي على مسجد "الحشاة" الأثري، وهو أحد المساجد الأثرية المعروفة في"ختبة" الذي أعيد ترميمه وأصبح مجهزاً للصلاة فيه. وقال: "بدأت فكرة الترميم عندما رأيت هذا المكان الأثري الهام يتداعى، فقررت أن أبذل كل ما استطيع من جهد ومال للحفاظ عليه كأحد معالم حضارة وتاريخ المكان الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من تاريخ بلدنا الشامخ المملكة العربية السعودية" مضيفاً "عندما قرأت أهداف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري والذي يتضمن مسار المحافظة على مواقع التراث العمراني وتنمية القرى التراثية في المملكة، تشجعت وعزمت على تنفيذ الفكرة التي تراودني منذ زمن". وعن أبرز العقبات التي واجهها يؤكد "الشهري" أن أصعب ما واجهه هو التعامل مع تهالك وتساقط جدران معظم مباني القرية لأسباب مناخية وعوامل بيئية طبيعية مع مرور الزمن، مضيفاً "لكنني استعنت بالله ثم وضعت خطة بأولويات الترميم ثم واصلت العمل، وخلال 24 شهراً تم إعادة تأهيل معظم مباني القرية كما كانت في عصر الأجداد، حيث تم إعادة بناء الجدران بنفس الحجر والطين والمرو والجص كما عُمل في الماضي، وإضافة بعض المواد الحديثة، وذلك لتقويتها واستمرارها لوقت أطول، كذلك إعادة الأسقف والأسطح بجذوع الأشجار المتينة، وتجميل المنازل وتزيينها من الداخل بأنواع من الرسوم والزخارف بالألوان الطبيعية القديمة والحديثة". وبدأ بعض المهتمين بالآثار والفنون التقليدية في منطقة عسير في استقبال الزوار الذين يأتون من داخل المملكة وخارجها وتعريفهم بالقيمة التاريخية لبعض المواقع الأثرية، وهو ما أكده "الشهري" الذي قال "بعد الترميم أصبحت القرية مزاراً لأهل المنطقة والكثير من زوار المنطقة، فهي تحوي حالياً نزلاً سياحية يرتادها القادمون للموقع ليجدوا فيها رائحة عبق الماضي والراحة والاستجمام، وينعمون بالحياة القديمة التقليدية، حيث أنها تعيد لهم الماضي القديم بأجمل صورة". وتحتوي النزل السياحية التي تم الانتهاء منها داخل القرية التراثية على أماكن للجلوس والراحة تحيط بها نقوش فن "القَط" التقليدي وتعلو جدرانها نماذج من الأسلحة القديمة وأدوات حفظ الماء مثل "القربة"، إضافة إلى أدوات الطبخ المصنوعة من الأخشاب والصخور المحلية. وبحسب آخر إحصائية لهيئة التراث سُجلت في منطقة عسير 4275 قرية تراثية، يتجاوز عمر بعضها 500 عام، إضافة إلى تسجيل 651 موقعاً أثرياً في السجل الوطني لآثار احتوت على أحجار ونقوش ورسومات يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، تحمل في مضامينها دلالات حضارية ضاربة في القدم.
مشاركة :