في الوقت الذي انضم فيه 3 ملايين يمني إلى قائمة المحرومين من المساعدات الغذائية التي توزعها الأمم المتحدة شهرياً، أثقلت الجبايات التي تفرضها الميليشيات الحوثية كاهل الملايين من السكان، إلى جانب الزيادة الكبيرة في أسعار الوقود وغاز الطهي والتعريفة الجمركية على كل البضائع الواصلة من المواني الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية. ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ بل تعداه إلى رفع إيجار عقارات الأوقاف بأثر رجعي يمتد لعشرات السنين، مع مصادرة رواتب مئات الآلاف من الموظفين للعام الخامس على التوالي، وتوجيه كل عائدات الدولة لخدمة قادة الميليشيات ومقاتليها. ويقول سكان في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الميليشيات رفعت قيمة الضريبة أضعافاً مضاعفة، كما رفعت بشكل شامل التعريفة الجمركية على الواردات القادمة من المواني التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية؛ لأن شركات الملاحة ترفض تسيير خطوط ملاحية إلى مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها، باستثناء شحنات الوقود والمساعدات. وإن الميليشيات لم تكتفِ بذلك؛ بل أقرت هيئة الأوقاف التي تم استحداثها رفع إيجار العقارات إلى 3 أضعاف ما كانت عليه، وطبقت القرار بأثر رجعي يمتد إلى ما قبل 30 عاماً. وبحسب إفادات السكان، رفعت الميليشيات رسوم التعاملات الحكومية في جميع المرافق، ونفذت حملات لاحتجاز السيارات التي تحمل لوحات صادرة من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية؛ حيث تطلب من ملاكها دفع رسوم جمركية جديدة، كما تحتجز السيارات التي لا تحمل لوحات معدنية لأنها أوقفت صرف هذه اللوحات، إلى جانب إدارة مشرفيها وتجارها لسوق سوداء كبيرة جداً لبيع المشتقات النفطية؛ سواء المستوردة عبر ميناء الحديدة أو تلك التي يتم جلبها من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، ومن ثم بيعها بضعف أسعارها. والأمر كذلك فيما يخص الغاز المنزلي؛ حيث يحتكر المشرفون على الأحياء بيع الأسطوانات بالسعر الرسمي البالغ 5 آلاف ريال، ولكن كثيراً من الأسر تظل لشهرين في انتظار الحصول على أسطوانة، بينما تباع في السوق السوداء بحوالي 15 ألف ريال (الدولار قيمته حوالي 600 ريال في مناطق سيطرة الميليشيات). ووفق ما يقوله أحد السكان، ويدعى علي: «عندما يطالب الموظفون بالراتب، يرد قادة الميليشيات بأن البلاد في حالة حرب، وعندما يسألونهم: من أين للمشرفين كل هذه الأموال والسيارات الفارهة والمحلات التجارية والعمارات الضخمة؟ يتم اتهامهم بأنهم (طابور خامس)، حتى أصبح المجال الوحيد المتاح للحصول على راتب وحصص غذائية منتظمة هو الالتحاق بجبهات القتال». ويضيف «لا يخجل الحوثيون من الضحك على البسطاء بتعميمات من مسؤوليهم في المحافظات، بمنع الزيادة في إيجارات المساكن؛ لكن الحقيقة أن كل مشرف شريك مع مالكي العقارات، والمحاكم كل يوم تصدر قرارات إخلاء وطرد للبسطاء إلى الشارع». هذه الممارسات تعمق معاناة السكان في مناطق سيطرة الميليشيات؛ إذ إن أكثر من 50 في المائة من سكان اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ومن بينهم نحو 47 ألف شخص يعيشون في ظروف شبيهة بالمجاعة، كما تتفاقم محدودية الوصول إلى الغذاء بفعل عدة عوامل، بما في ذلك الصراع المستمر، وتأثيرات الدخل المنخفض، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وحجم الأسرة الكبير، ومعدلات البطالة المرتفعة، وعدم دفع رواتب عديد من موظفي الخدمة المدنية. وطبقاً لتقرير التنمية البشرية لعام 2020، فإن اليمن يصنَّف على أنه بلد منخفض الدخل ويعاني من عجز غذائي؛ حيث يحتل المرتبة 179 من بين 189 دولة، وتشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 50 في المائة من السكان يعيشون في فقر، ويتم استيراد أكثر من 90 في المائة من الغذاء من الخارج. ويزيد من معاناة الملايين قرار برنامج الغذاء العالمي خفض الحصص الغذائية عن 11 مليون يمني مع نهاية الشهر الحالي، بسبب نقص التمويل؛ حيث إن هؤلاء سيحصلون على حصة غذائية كل شهرين، بدلاً من حصة شهرية باستثناء مليونين ممن يعانون من ارتفاع كبير في انعدام الأمن الغذائي. وحتى نهاية العام الماضي كان 13 مليون شخص يحصلون على مساعدات غذائية عامة. ومن بينهم تم استهداف 9.4 مليون شخص بمساعدات غذائية عينية، و2.3 مليون شخص بقسائم سلع، وأكثر من 1.3 مليون شخص بمساعدات نقدية. ووفقاً لتحديث الأمن الغذائي لبرنامج الأغذية العالمي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بلغ معدل استهلاك الغذاء غير الكافي على الصعيد الوطني في اليمن 48 في المائة، وهو أعلى من عتبة 40 في المائة «المرتفعة للغاية».
مشاركة :