تونس - تعتزم الحكومة التونسية للمرة الثانية على التوالي خلال شهر فبراير/شباط الحالي رفع أسعار الوقود والكهرباء لمواجهة العجز في الموازنة، بينما يبدو أن الإجراء يأتي في إطار الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي والذي يشترط القيام بحزمة إصلاحات قاسية تشمل مراجعة منظومة الدعم. وتُثقل هذه الزيادات المتتالية كاهل التونسيين بينما تسود البلاد حالة من التوتر الاجتماعي في ظل أزمة سياسية واقتصادية آخذة في التفاقم ولا تبدو لها نهاية قريبة. ونقلت صحيفة الصباح المحلية عن وزير الصناعة والطاقة التونسية نائلة نويرة قولها إن "الحكومة أقرت رفع أسعار الكهرباء والمحروقات لخفض عجز الطّاقة في ظل ارتفاع أسعار النفط وبلوغه 96 دولارا للبرميل". واعتبرت أن الزيادات المرتقبة في أسعار الطاقة "خطوة من بين حزمة إصلاحات اقتصادية غير شعبية يطالب بها المُقرضون الدّوليون مقابل برنامج إنقاذ مالي". ولم تكشف الوزيرة التونسية تفاصيل عن مقدار الزيادة في أسعار الطاقة أو موعد سريانها، لكنها أوضحت أن "هذا الترفيع فرضهُ ارتفاع أسعار المحروقات على المستوى العالمي، بالإضافة إلى اضطراب سعر صرف الدينار وهو ما يخلق ضغطا على ميزانية الدولة الموجهة للدعم، خاصة أن تونس لا توفّر سوى 50 بالمئة من حاجياتها من الطاقة". وتابعت "الترفيع (الزيادة) المرتقب في أسعار الطاقة لن يشمل المواد المُدعمة بنسبة 70 بالمئة على غرار الغاز المنزلي، مراعاة للفئات المتوسّطة والضعيفة". وفي 2021، بلغ عجز ميزانية تونس 7.6 بالمئة من النّاتج المحلي الإجمالي، وفق أرقام رسمية. وتخطط الحكومة التونسية كذلك لتجميد رفع أجور موظفي القطاع العام وهي خطوة يتوقع أن تلاقي رفضا من الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر مركزية نقابية في البلاد تتمتع بنفوذ اجتماعي وسياسي قوي. وذكرت وزيرة الصناعة أيضا أن الحكومة ستمنح تراخيص لمشاريع طاقة متجددة لإنتاج 2520 ميغاوات بين 2022 و2025 مع خطط لإنتاج 30 بالمئة من الكهرباء عبر الطاقات المتجددة في 2030. ومطلع فبراير/شباط الحالي، أعلنت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم التّونسية رفع أسعار المحروقات المباعة في السّوق المحلية بنسبة 3 بالمئة، في إطار برنامج تعديل أسعار المواد البترولية المعتمد ضمن موازنة الدولة لسنة 2022. وبناء على القرار، ارتفع سعر لتر البنزين الخالي من الرصاص 60 مليما إلى 2.155 دينار (0.7 دولار) وسعر الغازولين العادي 55 مليما إلى 1.866 (0.5 دولار). وتواجه تونس وضعا اقتصاديا هو الأسوأ منذ استقلالها في خمسينات القرن الماضي، وهو نتاج تراكم الأزمات التي رافقت ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي. ويسعى الرئيس التونسي قيس سعيد منذ اتخاذه تدابير استثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 إلى تصحيح مسار ثورة يناير التي قامت على أساس مطالب اجتماعية تشمل التشغيل والعدالة الاجتماعية والحريات والكرامة. لكن سعيد الذي فتح أكثر من جبهة في مواجهة فساد متغلغل في مؤسسات الدولة، بات يواجه وضعا صعبا ومعقدا خاصة أن الإجراءات التي اتخذها وجمد بموجبها عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وأتبعها بإجراءات أخرى عززت صلاحياته وعدلت البوصلة نحو إدارة الدولة بمراسيم رئاسية في انتظار إجراء استشارة الكترونية هي بمثابة استفتاء على النظام السياسي والقانون الانتخابي و تعديل الدستور على النظام السياسي، بات ينظر لها دوليا على أنها إجراءات استبدادية فيما يصفها خصومه بأنها "انقلاب على الدستور والشرعية". ومن المتوقع أن تثير الإصلاحات التي تدخل ضمن خطة إنقاذ مالي، غضبا شعبيا بالتوازي مع احتجاجات ينظمها معارضو الرئيس التونسي بدعم وتحريض من حركة النهضة الإسلامية التي عزلتها إجراءات 25 يوليو مع أضلاع منظومة الحكم السابقة. وستشكل تلك الإجراءات ذريعة لتحشيد الشارع ضد قيس سعيد في الوقت الذي يعاني فيه التونسي بالفعل من تدهور المقدرة الشرائية وارتفاعا في معدلي البطالة والتضخم.
مشاركة :