تترك لي قارئة هذا السؤال تعليقاً على ما ورد في فيديو أدعو فيه متابعيّ إلى القراءة، فأنا في النهاية مارست القراءة كمهنة لمدة ثلاثين سنة، ولم أمارسها كوسيلة للتسلية، كما أني اشتغلت كثيراً على "نظرية التلقي" ودور القارئ في إعطاء حياة أخرى للنص. من دون شكّ القراءة تطوّر حسّنا الجمالي وتنمِّي فينا الروح النقدية والمعرفة الذاتية، لكن عدم توضّح هذه الرؤية جيداً لمجتمعاتنا العربية اليوم وتهجمها على أدباء ومفكرين كثر تذكّرني بسجال قديم شهدته أوروبا بعد منتصف القرن التاسع عشر، وبداية النصف الأول من القرن العشرين، حين قال جول ميشليه: "ولدت من الشعب، وهذا الشعب في قلبي، لكن لغته تختلف عن لغتي، لم أستطع التحدث بلغته، ولم يستطع التحدث بلغتي" كان ذلك العام 1848، وكان الكاتب "مثقفاً" لديه رغبة في فهم الجماهير والدفاع عنها، لكن الطبقات الشعبية كانت لديها مقاييسها، بالنسبة لها فإن فيكتور هيغو الذي ابتكر "جان فالجان" و"كوزيت" و"كازيمودو" وكتبها بلغة خالية من "لغة الشعب"، جعلته صديقاً لها، عكس إيميل زولا الذي أدخل تلك اللغة إلى نصه، بما فيها الشتاؤم، والكلام البذيء، والبؤس والقسوة. فصعُب على تلك الطبقات المسحوقة أن ترى بشاعتها في المرآة، كما صعب على هيغو أن يرى منافساً قوياً له فرفع قضية ضده، مغلّفة بخلاف أخلاقي، فيما أخفت داخلها غيرة دفينة. انقسم الكُتّاب حول الغرض من الأدب، هل هو عمل مفيد، أو غير مُجدٍ ويبقى غريباً عن مجال التفكير وأي ديناميكية اجتماعية؟ لكن بانطلاق ذلك السجال، بدأت تكتمل الرؤية حول ارتباط الخيال بالإبداع الفني، وما يلامسه في كل مجالات الحياة. لا يمكننا أن ننكر اليوم أنّ قدرة استيعاب الأطفال لأمور كثيرة في الحياة أكبر من قدرتنا حين كنا في أعمارهم، لكن في الوقت نفسه لا يمكننا أن ننكر أيضاً أن "هاري بوتر" على سبيل المثال علّم ملايين الأطفال أن الحياة تتكون من اختبارات وخيارات، إذن لا يجب أن يتفاجأ الواحد منّا حين يعطيه طفله درساً كبيراً في الحياة مثل هذا. قد يقول البعض إن أطفالنا لا يقرؤون ولكنهم شاهدوا فيلم "هاري بوتر" بالتالي فهم لم يتأثروا بالقصة المكتوبة بل بالمؤثرات التي قدمتها السينما، وهذا نكران لدور الأدب المهم جداً في تقديم الحكايات المدهشة على طبق من ذهب لقطاع السينما. خاصة كلاسيكيات الأدب العالمي التي تقتبس من دون دفع أي حقوق. لنعد الآن للصورة المزعجة التي يعكسها الأدب للمجتمع، والتي تجعل هذا الأخير يشن حملات ضد كُتَّاب بعينهم، إن الأمر لا يغدو بعيداً عن قصّة المرآة السحرية التي كانت تجيب زوجة الملك الشريرة أن الثلجة البيضاء أجمل منها، فكسرتها، رافضة أن تغيّر تلك البشاعة التي تسكنها حتى ماتت بغيضها. فهل الذنب ذنب المرآة؟
مشاركة :