جدل حول جدوى آليات إنعاش الاقتصاد التونسي

  • 2/19/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تصاعد السجال الدائر منذ فترة بين الأوساط الاقتصادية في تونس، والذي حمل في طياته تباينا واضحا في الآراء بين متفائل وآخر متشائم، حول جدوى الآليات التي سيتم اتباعها حتى تنجح السلطات في خططها للخروج من الأزمة المالية. وشرعت تونس هذا الأسبوع في محادثات يُتوقع أن تؤدي إلى مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي تلجأ إليه للمرة الثالثة خلال عشر سنوات للحصول على برنامج دعم مالي جديد، لإنقاذ اقتصاد يعاني من الانكماش وارتفاع مؤشرات التضخم والدين العام والبطالة. ولم تنجح تونس في تأمين انتقال اقتصادي بموازاة الانتقال السياسي الذي انطلق منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، بل شهدت المؤشرات الاقتصادية تراجعا وتراكمت الأزمات في كل القطاعات تقريبا. وباشر مسؤولون تونسيون الاثنين الماضي محادثات افتراضية مع ممثلي الصندوق، والذين جددوا تأكيدهم على وجوب القيام بـ"إصلاحات عميقة لإخراج البلاد من الأزمة"، لكن التونسيين يخشون أن يفاقم الإصلاح المؤلم أوضاعهم المعيشية الصعبة أصلا. قيس سعيدان: مستوى الديون يقلل من مصداقية تونس كدولة مقترضة دوليا وتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 20 في المئة منذ 2011، كما انهارت القدرة الشرائية بنسبة 35 في المئة بسبب تراجع قيمة الدينار أمام سلة العملة الرئيسية بنسبة تقترب من نحو 40 في المئة. ولذلك لجأت الحكومات المتعاقبة إلى الصندوق مرتين، أولاهما في 2013 بقرض قيمته 1.7 مليار دولار. وكانت الثانية في العام 2016 بقيمة 2.8 مليار دولار، مقابل التعهد بالقيام بإصلاحات لم تنجح البلاد في تنفيذها. وزادت تداعيات الجائحة من تأزم الوضع الاقتصادي، خاصة على المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي أفلست أو غادرت البلاد قرابة 80 ألفا منها خلال العام 2020، وفق المعهد الوطني للإحصاء. كما ارتفعت نسبة البطالة في الفترة ذاتها وقفزت من 15.1 في المئة إلى مستوى 18.4 في المئة، وزاد التضخم الذي يتجاوز ستة في المئة من وطأة المعاناة المعيشية. ويرى الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان أن مشكلة الاقتصاد التونسي تكمن في ارتفاع الدين العام أساسا. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية "بلغت قيمة الدين العام مستوى غير مسبوق ليساوي أكثر من مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي". واعتبر سعيدان أن ذلك يقلل من مصداقية تونس كدولة مقترضة دوليا. وأشار إلى أنه “سيتعين على تونس المرور عبر صندوق النقد لإعادة بناء البعض من مصداقيتها ومن أجل تعبئة موارد خارجية”. وعبّر الصندوق عن قلقه إزاء عجز الموازنة في تونس بسبب ثقل حجم كتلة الرواتب في القطاع الحكومي. وقال ممثله في تونس جيروم فاشيه في مقابلة الشهر الماضي مع وكالة الصحافة الفرنسية، إن على البلد الساعي للحصول على مصادر تمويل دولية القيام “بإصلاحات عميقة جدا”، لاسيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة الذي يبلغ “أحد أعلى المستويات في العالم". وقال دبلوماسي غربي لوكالة الصحافة الفرنسية، التي لم تكشف هويته، إن "تونس تقترض من أجل سداد رواتب الموظفين".وتخصّص أكثر من نصف النفقات العامة في الموازنة السنوية لسداد رواتب 650 ألف موظف حكومي، في بلد يضم 11.8 مليون نسمة. وما بقي من الموازنة يخصص لدعم الشركات الحكومية التي تحتكر قطاعات عديدة وتشهد وضعا صعبا، وبعضها مهدّد بالإفلاس. ووفق فاشيه، تشغل هذه الشركات ما يقارب 150 ألف موظف ويُفضّل توجيه مصاريفها للاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية. رمضان بن عمر: ليس في مصلحة أي طرف الإقدام على إلغاء الدعم الحكومي ومن المرتقب أن يقدم الصندوق مقترحات حول رفع الدعم الحكومي عن مواد أساسية كالوقود، وتعويض ذلك بمنح العائلات المحتاجة مساعدات بصفة مباشرة. ومع ذلك لن يكون من السهل إقناع التونسيين بخفض فاتورة الرواتب ومراجعة سياسة الدعم، وهما نقطتان أساسيتان في عملية الإصلاح الاقتصادي، وسيكون لذلك “حتما تأثير على التونسيين"، وفق الدبلوماسي. ويقود الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي اتخذ تدابير منذ الصيف الماضي تحظى بدعم شعبي واسع، حملة عنوانها الأبرز "تطهير" البلاد والنظام من "الفساد". ويقول رمضان بن عمر، المسؤول بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، "ليس في مصلحة أي طرف سياسي إلغاء الدعم"، ويشير إلى أن العديد من المواد المدعومة من الدولة مفقودة في الأسواق، وأن قطاع الخدمات الحكومية يمر بأزمة صعبة. ويعارض الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية بالبلاد، الشروط التي قد تقدّم من صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قرض، ويدعو السلطات التونسية إلى تقديم برنامج إصلاح اقتصادي “تونسي – تونسي”، وعلى أساسه يتم الدخول في مفاوضات. وترى المتخصصة في الشأن التونسي بجامعة نيويورك في أبوظبي مونيكا ماركس أن قيس سعيّد أمام اختبار صعب، وعليه أن يعمل على “تهدئة الاتحاد وتفادي التقشف الذي يدافع عنه صندوق النقد”. وفي حال رفض ذلك ترى ماركس أن "هناك إمكانية ألا تحصل تونس على القرض، وتواصل انهيارها المالي".

مشاركة :