الطبعة الرابعة

  • 11/25/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

صدرت لي قبل أيام الطبعة الرابعة من كتاب "من يعرف جنياً يتلبسني" .. ورغم أن العنوان يخص أحد المواضيع الداخلية (واختارته دار مدارك لغرض تسويقي) إلا أن الكتاب يتضمن ثمانين موضوعاً مختلفاً تشترك كلها في التساؤل عن الوجه الآخر والمحتمل في قضايا كنا نعدها من المسلمات.. فهل صحيح مثلاً أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم كان رجلاً أمياً لا يقرأ ولا يكتب!؟ وهل يوجد إثبات علمي (أو حتى صورة فضائية) تؤكد مركزية مكة المكرمة وتوسطها لقارات العالم؟ وهل الأحاديث الواردة في الحجر الأسود ترجح احتمال كونه ألماساً فضائياً أسود نادرًا يدعى .Carbonados وما هي احتمالات أن يكون رجال صالحون بذاتهم كبوذا وكونفشيوس وزاردشت من الأنبياء الذين لم يذكرهم الله في القرآن الكريم!؟ ... لن تجد فيه مقالات علمية أو طبية أو سياحية بل مقالات فكرية عميقة حظيت بأكبر نسبة من ردود وتفاعل القراء.. فالقراء مثلاً تفاعلوا بقوة وسخاء مع المقال الذي يؤكد اتفاق نظرية داروين مع السياق القرآني وإمكانية تطور الكائنات تحت مظلة الإرادة الإلهية، والمقال الذي يثبت أن قوائم التنمية العالمية تتضمن دائماً دولاً إسلامية في نهايتها، وذلك الذي يؤكد بالوقائع والأرقام أن العالم الذي نعيشه اليوم كان سيختلف جذرياً لولا وجود أميركا..! أيضاً حاولت لفت الانتباه إلى عيوب التفكير الفردي والجماعي التي قد لا نعي وجودها في أنفسنا ومجتمعنا في عدة مقالات مثل: عقلية تجيير المصائب، ولماذا نصدق بالخرافات، وأين تعثر على الحقيقة، وكم يتطلب الأمر كي تؤجر عقلك!؟ ... والحقيقة هي أنني لم أختر هذه النوعية من المقالات بنية الإرشاد أو التوجيه أو الإضافة لأحد، بل بنية الدعوة للتفكير بطريقة مختلفة والتذكير بوجود جوانب أخرى مغايرة ومحتملة لا تتعارض مع شرع أو منطق أو دلائل علمية راسخة.. فمهمة الكاتب في نظري ليست الإجابة على كافة التساؤلات، ولا لعب دور الأستاذ والموجة، ولا حتى محاولة إقناع جميع القراء بأفكاره الخاصة؛ بل في طرح التساؤلات ولفت الانتباه للاحتمالات المغايرة كي يشكلوا بأنفسهم قناعاتهم الشخصية وأجوبتهم الذاتية وحين يفعلون ذلك سيقتنعون بها ويدافعون عنها كونهم شكلوها بأنفسهم ولم تفرض عليهم من الخارج.. وقبل أن أختم مقالي هذا (الذي اقتبسته من مقدمة للكتاب) دعوني أخبركم بقصة صغيرة: ذات يوم اتصل بي قارئ فاضل وأخبرني أنه يعمل إماماً لأحد المساجد وقال بكل جدية: أخ فهد، قرأت لك مقالاً بعنوان هل كان الرسول أمياً لا يقرأ ولا يكتب؟ ورغم أنني لم أقتنع بكل ماجاء فيه.. ورغم أنني أحفظ القرآن منذ طفولتي.. إلا أنني اليوم لا أملك غير التفكير بهذا المقال كلما مررت بقوله تعالى "رسول من الله يتلو صحفا مطهرة" وكأنني أقرأ "صحفا مطهرة" لأول مرة في حياتي.. شكرته على صراحته وقلت ضاحكاً: يا سيدي الكريم؛ من قال إنني أريد إقناعك أو الإضافة إليك، يكفيني فقط شرف إثارة التساؤل في رأسك ولفت انتباهك لوجود احتمال مختلف بدأه القرآن بكلمة "أقرأ"!! ... وهذا ما أتمنى حدوثه معك أنت.. مجرد لفت انتباهك إلى وجود احتمال مختلف ووجه مغاير في ثمانين قضية مماثلة لطالما اعتبرتها من قبيل المسلمات أو البديهيات التي لم تكن تتصور امتلاكها وجهاً مغايراً أو جانباً محتملاً!

مشاركة :