على امتداد تضاريسها الجبلية المحاذية لمحافظة صعدة، مروراً بسواحلها المترامية على البحر الأحمر وسهولها الممتدة بمحاذاة محافظتي الحديدة والمحويت، إلى مدينة حرض والمنفذ الحدودي مع المملكة العربية السعودية، تعكس محافظة حجة صورة مصغرّة لتآكل الأرض اليمنية من تحت ميليشيات الحوثي الإرهابية، حيث تلحق يومياً مساحات كبيرة بالأراضي التي تحررها قوات الجيش اليمني المسنودة بدعم التحالف العربي، فيما يتصاعد الغضب القبلي والشعبي ضد الميليشيات في المناطق التي لا تزال واقعة تحت احتلالها. خلال الأسبوعين الماضيين، تلقت ميليشيات الحوثي الإرهابية، أكبر الهزائم العسكرية والخسائر البشرية في أعنف سلسلة المواجهات الأكثر شراسة في جبهات حرض وعبس وحيران بمحافظة حجّة، والتي شهدت معارك وصفت بغير المسبوقة. واستخدمت الميليشيا خلالها عشرات الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة، ودفعت بالأنساق البشرية من المقاتلين على الطريقة الإيرانية الكثيفة والانتحارية، لتصبح هدفاً سهلاً أمام قوات الجيش اليمني ومقاتلات التحالف العربي، التي أوقعت آلياتها ومجاميعها العسكرية في أكبر مصيدة لم تتعرض لمثلها في جبهات حجّة طيلة أربع سنوات مضت. مصيدة كبرى وكشف العميد أمين الحجوري، مدير عام شرطة محافظة حجّة، أن الميليشيا خسرت خلال معارك الأسبوع الماضي قرابة (600) من عناصرها في جبهة حرض وحدها، فيما تؤكد مصادر عسكرية يمنية لـ"الرياض" عن مصرع أكثر من (900) مسلح حوثي، وتدمير أكثر من 120 آلية عسكرية حوثية، وإسقاط ما يزيد على 45 طائرة مسيّرة، خلال المعارك التي شهدتها جبهات عبس وحرض التابعتين لمحافظة حجة، منذ مطلع فبراير الجاري. وكعادة الميليشيات الحوثية عقب كل هزائم عسكرية وخسائر بشرية تتلقاها في جبهات القتال، تعود وتُفرغ غضبها ضد السكان في المناطق الواقعة تحت احتلالها، وتطالبهم برفد الجبهات ودعمهما بالمال والمقاتلين قسراً، وهو ما فعلته مؤخراً في محافظة حجّة، إذ استدعت عشرات المشايخ والشخصيات القبلية البارزة في المحافظة، واحتجزتهم في مدينة عبس، وطلبت من كل شيخ الدفع بعدد 70 مقاتلا من أبناء قبيلته لمساندة عناصرها في حرض وبني حسن التابعة لمديرية عبس. لكن الميليشيا لم تجد الاستجابة القبلية التي كانت تتوقعها رغم أساليب الترهيب والتخويف التي مارستها بحق المشايخ والزعامات الشعبية، وتحكمها بالمساعدات الإنسانية المقدمة من المانحين وبتنفيذ المنظمات الدولية والأممية، غير أن المشرفيين الحوثيين منعوا توزيعها للفقراء والمحتاجين والنازحين وفقاً للآلية المتبعة أممياً، واشترطوا على كل أسرة إرسال أحد أبنائها مقابل الحصول على حصتها من المساعدات أمام عجز المنظمات الدولية والأممية. القبائل حذرة يقول وكيل أول محافظة حجة اليمنية الشيخ ناصر دعقين، في تصريحه لـ "الرياض": إن قبائل حجة باتت تدرك خطورة ميليشيا الحوثي الإرهابية على أبنائها، حيث تستدرج الأطفال وصغار السن دون علم أهاليهم، وتحشو رؤوسهم بالأفكار السلالية والكهنوتية البالية، وتزج بهم في الجبهات دون علم الأهالي. وأكد أن العديد من الأسر والقبائل أصبحت تُحذر أبناءها من الأساليب وحيل الاستدراج الحوثية، التي سببت حدوث انقراض لجيل الشباب في العديد من الأسر وباتت من دون عائل. وأردف قائلاً "بل إن أبناء قبائل حجة كغيرهم من قبائل اليمن، حولتهم الميليشيات إلى مصدر للجباية، ولا تكتفي بقتل أبنائهم والزج بهم في معاركها العبثية بل ونهب ممتلكاتهم والتضييق عليهم في أرزاقهم، وكذلك تجريد رجال القبائل من كل شيء وتحويلهم إلى مجرد اتباع للسلالة". حيل حوثية قذرة ولفت دعقين إلى أن ميليشيا الحوثي الإرهابية تستخدم كل وسائل الترغيب والترهيب في الحشد والتجنيد، كما سلط الضوء على الحيل وأساليب المكر والتفكيك والتحريش التي تنهجها ضد القبائل التي لا تنصاع لها. وقال: "إنها تخلق مشكلات داخلية بين القبائل ضد بعضها، وتفجر صراعات بينية تهدف من خلالها لإنهاك واستنزاف أبناء القبائل وإجبارهم على الانصياع لها، مشيرا إلى أن هذا أسلوب تتبعه السلالة الكهنوتية، التي تنحدر منها الحوثية منذ قرون للإيقاع بالقبائل وإنهاكها وإخضاعها لسيطرتها". وأكد وكيل أول محافظة حجة، الشيخ ناصر دعقين لـ"الرياض" أن المساعدات الإنسانية لا تصل للفقراء والنازحين والمستحقين في المحافظة، إذ تستخدمها الميليشيات الحوثية لتغذية مقاتليها في جبهات القتال، وتصرف جزء منها للمنتمين للسلالة التي ينحدر منها الحوثيون، كما أنها تبيع الكثير منها في السوق السوداء، وكثير من القادة والمشرفين الحوثيين حققوا ثراء فاحشا من المتاجرة بالمساعدات". وتحوي محافظة حجة العديد من القبائل اليمنية الشهيرة، أبرزها قبائل حجور وشمّر وبني حسن وبني قيس، وشرس وأفلح اليمن، والشاهل، وغيرها، كما أنها تحتل المرتبة الخامسة بين محافظات الجمهورية اليمنية من حيث عدد السكان الذي يشكل ما نسبته (7.5 %) من إجمالي سكان اليمن. جذور تأريخية وعرفت حجة بمحطات من الصراع التاريخي بين القبائل اليمينة التي تشكل النسبة الساحقة من سكان المحافظة، وبين المنتمين للسلالة التي تنحدر منها أسرة عبدالملك الحوثي، وكان يندلع الصراع في كل محطاته، لأسباب تتركز حول إدعاء أحقية الحكم للسلالة والاستعلاء السلالي على القبائل اليمنية، التي تصف أصحاب النزعة السلالية الاستعلائية بـ"المتوردين". وفي هذا السياق، أوضح الشيخ دعقين، كيف تتعامل ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، مع القبائل اليمنية بدونية وعجرفة واستعلاء طبقي وسلالي مقيت.، مشيراً إلى "أنها تريد استقطاب واستدراج مقاتلين من أبناء القبائل، لكنها لا تشركهم في الغنائم والجبايات والأموال والثروات التي تذهب للسلالة فقط، كونها تعتبر قبائل اليمن مُجرد عبيد خلقهم الله لخدمة السُلالة". ردة فعل غاضبة الشيخ القبلي أحمد الجبلي، أحد أبرز مشايخ محافظة حجة قال في تصريحه لـ "الرياض": إن ما ارتكبته ميليشيات الحوثي الإرهابية من جرائم بشعة بحق القبائل، والشعب عامة، ولدت ردة فعل غاضبة، خصوصاً أنها لم تنفذ ما وعدت به من شعارات براقة في بداية انقلابها، ولم يجد منها المواطنون إلا الويلات والتسلط والظلم. وذكر أن "القبائل تعرضت لأضرار بالغة بسبب الميليشيات الحوثية، أبرزها إضعاف دور القبائل والنيل من هيبتها ومكانتها التي كانت مصانة ظل دولة النظام والقانون، ومن المعروف عن القبيلة اليمنية قبولها بالعيش مع الفقر أو ضعف الخدمات وغيرها، إلا أنها لا تقبل الإهانة أو الانتقاص من كرامتها". وأضاف" تعتبر محافظة حجة من أكثر المحافظة التي استغلت الميليشيات الكثافة السكانية فيها وحالة الجهل في أوساط واسعة، واستنزفت أبناءها من الشباب والأطفال في حروبها طيلة السنوات الأولى من الحرب، وبرزت حالة الاستنزاف بشكل كبير ومفزع، إلى جانب تلاشي الوعود الوردية التي تغنى بها الحوثيون وتضاعف الأزمات وغيرها من الجرائم، كانت كفيلة بخلق حالة من الوعي الذي يتنامى يوما بعد آخر". وأشار إلى أن الزيارات المكثفة والمتكررة من القيادات الحوثية للقبائل، مؤشر واضح لتراجع دائرة المؤيدين لها، ودليل واضح على حالة الضعف التي باتت تعيشها، مُعبراً عن تقديره لكافة قبائل محافظة حجة لوعيهم وتفاعلهم مع الدعوات التي وجهها العديد من المشايخ بالحفاظ على أبنائهم من محارق الموت الحوثية.
مشاركة :