استمرت لليوم الرابع على التوالي حالة الاستنفار الأمني القصوى في بروكسل، عاصمة بلجيكا، وذلك لمواجهة تهديدات إرهابية، بينما تستمر الحالة على الدرجة الأقل في باقي أنحاء بلجيكا، وحتى يوم الاثنين المقبل على الأقل. وأبقت السلطات البلجيكية أمس على حالة التأهب القصوى في العاصمة بروكسل بعد اتهام شخص رابع يشتبه بتورطه في اعتداءات باريس التي أودت بحياة 130 شخصًا في 13 نوفمبر (تشرين الثاني). وأمنيًا، قررت سلطات التحقيق البلجيكية إطلاق سراح 15 شخصًا من بين الأشخاص الـ16 الذين اعتقلتهم الشرطة مساء الأحد الماضي في أحياء متفرقة ببروكسل، ضمن حملات مداهمة شملت 22 منزلا، بهدف البحث عن مطلوبين أمنيين في ظل مخاوف من وجود خطط إرهابية علي غرار ما وقع أخيرًا في باريس، وبذلك تكون السلطات قد مددت اعتقال شخص واحد فقط للاشتباه في علاقته بالتهديد الإرهابية، وكانت السلطات اعتقلت خمسة أشخاص، أول من أمس (الاثنين)، في الإطار نفسه، وسيعرضون في وقت لاحق علي قاضي التحقيقات، للنظر في استمرار اعتقالهم أو إطلاق سراحهم. واستمر أمس الوجود الأمني من خلال عناصر الجيش والشرطة في الشوارع، وحول المراكز الحيوية، مع تقليل الأنشطة التي تشهد وجود تجمعات كبيرة من المواطنين. وبحسب ما جرى الإعلان عنه من جانب رئيس الوزراء البلجيكي، الذي قال إن الوضع سيستمر على ما هو عليه حتى الاثنين المقبل، وسيتم إجراء تقييم للأمور «على أن تعود الأمور إلى طبيعتها بشكل تدريجي ابتداء من الأربعاء، بإعادة تشغيل محطات قطارات الأنفاق، وعودة التلاميذ إلى المدارس. وقد بدأت بالفعل صباح أمس شبكة الحافلات العمومية توسيع دائرة علمها لتشمل مناطق أوسع في بروكسل، كما جرى تشغيل الترام في مناطق مختلفة من بروكسل مما ساهم في تحقيق انسيابية أفضل من الأيام الماضية في تنقلات المواطنين التي كانت تقتصر على السيارات وبعض الحافلات وسيرًا على الأقدام، كما واصلت بعض المصالح الحكومية الثلاثاء فتح الأبواب أمام الجمهور، الذي بدأته منذ أول من أمس. وتجولت «الشرق الأوسط» في شوارع بروكسل أمس، لرصد ردود فعل المواطنين، من سكان بروكسل، سواء كانوا من البلجيكيين أو من المهاجرين، وفي شارع ليمونييه بوسط المدينة وأمام مبنى بلدية بروكسل، سألنا رجلا بلجيكيًا يعمل في مكتب البريد (رفض ذكر اسمه)، وقال: «هناك بعض الإزعاج بالنسبة للحياة اليومية، فانا أعمل هنا في مكتب البريد، إني أرى الحياة تغيرت، ولكن نتمنى أن تتغير إلى الأفضل، ويجب أن لا ننغلق على أنفسنا ونفزع، ولكن نكون حذرين، وأنا أتفهم هذه التحركات الأمنية التي تأتي بعد أيام من هجمات باريس، والتي لولاها ما كنا رأينا كل ذلك». ويقول محمد الشعار وهو تاجر سوري مقيم ببروكسل منذ 18 عاما: «هذه الإجراءات لا يجب أن تغضب أحدًا، لأنها تهدف إلى تحقيق الأمن والسلامة لنا ولأولادنا، ولهذا علينا نحن أن نلتزم بتعليمات السلطات التي تعمل لمصلحة الجميع، وأنا متفائل بأن القادم سيكون أفضل إن شاء الله». ولاحظت «الشرق الأوسط» وجود أطفال في التاسعة والعاشرة من العمر يركبون دراجاتهم في الشوارع وبالقرب من سيارات الجيش والشرطة، وسألناهم عن رأيهم في الأحداث وإغلاق المدارس، وقال فيكتور وهو بلجيكي، إنه يعلم أن المدرسة أغلقت بسبب تهديدات إرهابية بعد ما وقع في باريس وهو أمر يثير المخاوف، وقال إن لديه شعورًا مزدوجًا، فهو سعيد بعض الشيء لحصوله على إجازة من المدرسة، وفي الوقت نفسه غير سعيد لتعطل الدراسة»، أما زميله محمد فرد ضاحكا بأنه سعيد لتعطيل الدراسة يوم الاثنين الماضي، حيث كان من المفترض أن يؤدي امتحانًا شهريًا في المدرسة، وأضاف أنه سمع وزير الداخلية يقول إنه تقرر تعطيل الدراسة، واستجابت المدارس لهذا الأمر». من جهتها وصفت صحيفة «لوسوار» البلجيكية بـ«المضرة» قرارات الحكومة الفيدرالية تمديد حالة التأهب القصوى حتى يوم الاثنين المقبل، بسبب وجود تهديدات إرهابية وشيكة تستهدف أماكن متفرقة في البلاد». وأشارت الصحيفة في مقالها الافتتاحي، أمس، إلى أن المواطنين أصبحوا أسرى للخوف، خصوصًا أن العمليات الأمنية التي تجري منذ أربعة أيام، لم تعطِ النتائج المرجوة ولم تسمح بإبعاد الخطر. ولفتت لوسوار النظر إلى الانطباع السيئ الذي تتركه الإجراءات الحكومية عن البلاد على الساحة الدولية: «نبدو أمام العالم كأننا رهائن لدى الإرهابيين، الذي لا يزالون يهددون العاصمة»، وفق الصحيفة. وأوضحت الصحيفة أن الإجراءات الحكومية تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، من أهمها الآثار بعيدة المدى المترتبة على الاتهامات الموجهة لشريحة معينة من السكان، والتجاذب السياسي القائم بين أحزاب اليمين واليسار، «تحاول بعض أحزاب اليمين المتطرف استثمار الوضع سياسيًا لاتهام الاشتراكيين بالمسؤولية عن نمو ظاهرة التطرف في العاصمة بشكل خاص»، حسب كلامها. وعبرت الصحيفة عن أسفها لما يجري، خصوصا أن بعض الدول المجاورة بدأت بـ«محاكمة» بلجيكا والحكم عليها كدولة تائهة في حالة الطوارئ، وذلك في إشارة إلى الانتقادات الفرنسية الموجهة للحكومة الفيدرالية في بروكسل. وأعلن وزير الخارجية البلجيكي ديديه ريندرز، عن نيته القيام بتحركات دبلوماسية «لتصحيح» صورة بلاده في الخارج. وأعلن رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال، عن الإبقاء على مستوى التأهب الأمني عند المستوى الرابع، في مؤتمر صحافي عقده مساء أمس، وأضاف أن هذا الأمر يعني أن التهديد ما زال وشيكًا وجديًا، مشددًا على أن حالة التأهب الأمني في باقي أنحاء البلاد تبقى عند المستوى الثالث. وذكر أن هذا الأمر يقضي أيضًا بالإبقاء على حظر التجمعات والأنشطة، التي تحظى بحضور جماهيري كبير، وكذلك تقييد حركة المواصلات العامة وإغلاق مراكز التسوق، وإغلاق المدارس والجامعات والمعاهد. وعبر رئيس الوزراء البلجيكي ميشال عن تصميم الحكومة الاستمرار بالعمل بشكل جدي مع كل الإدارات الأمنية من أجل التقدم نحو مستوى حياة «طبيعي»، في أسرع وقت ممكن، ولكنه نوه بوجود بعض التعديلات بخصوص المدارس التي يمكن أن يُعاد فتحها اعتبارًا من يوم الأربعاء «كما يمكن أن تعود المواصلات تدريجيًا إلى الوضع الطبيعي يوم الأربعاء أيضًا»، وأوضح أن القرارات تأخذ بعين الاعتبار كل المعلومات التي يتم الحصول عليها من مختلف الإدارات الأمنية العاملة في البلاد. يُذكر أن العاصمة البلجيكية بروكسل تعيش، منذ يوم السبت الماضي، في ظل حالة تأهب أمني قصوى ساهمت في إحداث شلل نسبي في الحياة العامة في المدينة، هذا دون الحديث عن الخسائر المادية الناتجة عن خفض مستوى النشاط الاقتصادي. وكان قرار رفع مستوى التأهب قد اتخذ على خلفية هجمات باريس، في 13 من الشهر الحالي، ووجود دلائل على وجود علاقات بين المتورطين فيه وبين بعض الأوساط في بلجيكا، خصوصا لجهة استمرار فرار أحد المتورطين في الهجمات، وهو المدعو صلاح عبد السلام. وأشار رئيس الوزراء إلى أن هناك تعاونًا وثيقًا بين الأجهزة الأمنية البلجيكية ونظيرتها الأوروبية وغير الأوروبية، وقال: «لا نتعاون فقط مع السلطات المغربية، بل مع العديد من البلدان المجاورة والشريكة للتصدي لخطر الإرهاب»، على حد تعبيره. ويوم السبت الماضي، خيّم الشلل على العاصمة البلجيكية، وتوقفت الحياة بشكل شبه تام، على خلفية رفع مستوى التأهب الأمني. وخلا ميدان غراند بلايس (وسط العاصمة) - والمعروف باكتظاظه بالرواد - من الحركة وبات فارغًا، إلا من جنود مسلحين وأفراد شرطة يقومون بدوريات تفقدية في الأرجاء. وإلى جانب الإجراءات الأمنية المتعلقة بقطاع النقل، أوصى مركز الأزمات، السبت الماضي، «السلطات الإدارية في 19 دائرة (في منطقة بروكسل) بالعمل على إلغاء الأحداث الكبرى على أراضيها وإلغاء مباريات في كرة القدم في عطلة نهاية الأسبوع». كما أوصى بالتوجه إلى السكان لإبلاغهم «بتجنب الأماكن التي تضم تجمعات كبيرة من الأشخاص وتعزيز الإجراءات الأمنية والعسكرية». وأوضح مطار بروكسل حيث تطبق الدرجة الثالثة من الإنذار أن «المسافرين يمكنهم أن يستقلوا الطائرات كالعادة، لكن التوقف في المنطقة المخصصة لإيصال المسافرين محظورة وأي سيارة تترك هناك ستُسحب فورا».
مشاركة :