منذ الانقلاب الذي شهدته ميانمار مطلع فبراير 2021، صارت البلاد مسرحا لاحتجاجات عارمة وضعت النظام العسكري الحاكم هناك تحت ضغوط لم يتعرض لها على مدار عقود.وتتحدى جماعات مدنية مسلحة تُعرف باسم «قوات الدفاع الشعبية»، القوة العسكرية التي يملكها النظام الحاكم، وتضم هذه الجماعات مواطنين، بينهم مزارعون ومهندسون وأطباء وربات بيوت، وجميعهم عازمون على الإطاحة بالجنرالات الذين انتزعوا السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد قبل أكثر من عام.وواجه النظام الاحتجاجات الحاشدة في أنحاء البلاد بحملة قمع عنيفة. وبمعايير الماضي، ربما وقف الأمر عند هذا الحد.ولكن هذا لم يحدث، بحسب ما تراه الكاتبة الأسترالية المتخصصة في الشؤون الآسيوية روته بولارد، التي أشارت في مقال تحليلي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء، إلى جدل بشأن ما إذا كانت ميانمار تشهد حربا أهلية حاليا، فالمعارك ليست مقصورة على المناطق الحدودية الساخنة؛ بل امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.وبحسب بولارد، فإن الأمر الوحيد الواضح بقوة هو أن النظام العسكري لم يحكم قبضته تماما على الأمور في ميانمار، حيث تستهدف الهجمات على نحو متكرر قوافل وقواعد عسكرية، وأهدافا عسكرية تخضع لإجراءات أمنية مشددة. كما أن الانشقاق عن صفوف الجيش والشرطة سبب آخر لعدم الاستقرار، وهو أمر يوجه صفعة للروح المعنوية بالمؤسستين.وأشارت «رابطة مساعدة السجناء السياسيين»، وهي منظمة محلية غير ربحية ترصد الاضطرابات في البلاد، إلى تقارير أفادت بأنه حتى منتصف سبتمبر الماضي قتلت «قوات الدفاع الشعبية» حوالي 1700 من جنود النظام، ورد الجيش بعنف وحشي وقتل أكثر من 1540 من المدنيين، كما اعتقل أكثر من 9 آلاف آخرين.وتمثل هذه التطورات تحديا أمام التجمعات الإقليمية، مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (أسيان)، التي عزلت ميانمار على مدار عام كامل، في نهج نادرا ما اتبعته الرابطة مع دولة عضو من قبل.ورفض الحاكم العسكري في ميانمار، الجنرال مين أونج هلاينج، مرارا، الإذعان لطلب الرابطة بإرسال ممثل غير سياسي للاجتماعات. ويتعين أن يحفز مقعد ميانمار الخالي زعماء أسيان والعالم على تنويع قنوات التواصل الدبلوماسي بشأن ميانمار، والعمل عن قرب مع «حكومة الوحدة الوطنية» البديلة، والجماعات المؤيدة للعودة إلى الديمقراطية.وتضم حكومة الظل ممثلين عن فائزين بانتخابات عام 2020، والتي يقول النظام الحاكم إنه جرى تزويرها، في حين يراها المراقبون الدوليون حرة ونزيهة. وأعلنت «حكومة الوحدة الوطنية» الحرب على النظام العسكري في شهر يوليو الماضي، ودعت المواطنين إلى الثورة عليه.وبحسب تحليل بلومبرج، تُعقِّدْ التوترات العرقية طويلة الأمد في ميانمار، المقاومة المدنية ضد النظام العسكري الحاكم. ويخوض «جيش أراكان» و«جيش تحرير تانج الوطني» و«جيش تحالف ميانمار الوطني الديمقراطي»، حربا ضد الجيش منذ عقود. أما الأطراف الأخرى فتنقسم إلى جزء وقع اتفاق وقف إطلاق النار مع الحكومة في 2015، وجماعات أخرى بشمال البلاد، خاصة على طول الحدود مع الصين، لم توقع الاتفاق.وفي وقت سابق الشهر الجاري، أصدرت أربع جماعات مسلحة بيانا تتعهد فيه بالقتال ضد النظام العسكري، وهو ما حطم آمال مين أونج هلاينج الذي كان يسعى إلى وقف لإطلاق النار مع الميليشيات؛ حتى لا تنضم إلى «قوات الدفاع الشعبية»، بحسب ما ذكره أنجشومان شودري، باحث أول ومنسق برنامج أبحاث جنوب شرق آسيا بمعهد دراسات السلام والصراعات، في نيودلهي.
مشاركة :