ربما لا يعلم الكثيرون منَّا الهدف من الاحتفاء بذكرى التأسيس الذي أقرته الدولة مؤخراً، عندما نسترجع تاريخ البداية الحقيقية لحكم آل سعود، نُدرك حجم الجهد والتضحيات التي بُذلت في سبيل توحيد الجزيرة العربية، وترسيخ الأمن والاستقرار بين شعبها، من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها، لذلك ظهرت ضمن منشورات يوم التأسيس كثير من الأنماط الثقافية التي تُميِّز كل منطقة من مناطق المملكة، كالأزياء مثلا في تلك الحقبة، وهي مظهر أساس من مظاهر الثقافة المجتمعية في كل وقتٍ وحين. لكن المهم في الحقيقة هي المعرفة التاريخية لبداية حكم أسرة آل سعود، التي مرَّت بفترات ظهور وخفوت، نتيجة أطماع القوى المختلفة المحيطة بالجزيرة العربية، والتي تسعى لبسط نفوذها على عالمنا العربي، كالنفوذ العثماني الذي مد سطوته على مناطق كثيرة وكبيرة، ثم تركها لولاة المناطق، الذين انشغلوا بجمع الضرائب ومضاعفتها وغرقوا في أشكال اللهو والفساد حسب الدكتور علي الوردي. يقول د. جورج خير الله، في كتابه، نهضة الجزيرة العربية، حول تاريخ التأسيس لحكم آل سعود في الجزيرة العربية: «إن حركة الموحدين التي نشأت في القرن الثامن عشر الميلادي، حاملة مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ونُظُم رفيقه محمد بن سعود؛ هي الحركة التي أدت إلى توحيد الجزيرة العربية، بعد إيقاظها في القرن العشرين»، يقصد بداية عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-. ومن كتاب «تاريخ الدولة السعودية الأولى»، يشير المؤلف، فيليكس مانجان، إلى تاريخ تأسيس الدولة السعودية، قائلا: في عام 1157هـ قامت في الجزيرة العربية الدولة السعودية الأولى بعد التقاء قطبي المعاهدة، «الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبدالوهاب». ومن كتاب نهضة الجزيرة العربية، نتعرَّف على الإمام محمد بن سعود، الذي ارتقى بالأسرة إلى المجد، وصار إمام الدعوة الإصلاحية، توفي سنة 1179هـ - 1765م، وخلفه ابنه عبدالعزيز الذي اتصف بالكفاءة، مما ساهم في توسيع ممتلكاته، واتسع نطاق الدولة في عهده اتساعًا كبيراً، ودام حكمه ثمانية وثلاثين عامًا. خلف عبدالعزيز سعود، الذي تمكَّن -رغم سنوات حكمه القليلة- أن يغدوا من زعماء العرب البارزين، وكني بـ»سعود الكبير». كانت الدولة السعودية في أيامه؛ تشمل الحجاز، والصحراء السورية، حتى مشارف دمشق وحلب، وجزءًا كبيرًا من العراق وعمان حتى زبيد في اليمن. هذه المعلومات أول مرة أعلمها، رغم أني قرأتها قبل ذلك، لكن ربما لم تستوقفني ولم أنتبه لها، لولا ذلك، لتمكَّنتُ من الرد على إحداهن، عندما عبرتُ لها عن إعجابي بثوبها العسيري، فكانت إجابتها: «عسير تبعنا»، تقصد اليمن، دولتها! أجابت ضاحكة وكأنها تلقي نكتة، لكن لم أعتبرها كذلك، بل اعتبرتها صفاقة، وقلة ذوق من ضيفة دائمة على وطني! يقول الكاتب أيضًا: «إن سعود الكبير، هو أقرب أعضاء آل سعود شبهاً بالملك عبدالعزيز، من حيث الكرم المفرط، والشجاعة الباهرة، والحذق في وضع الخطط الإستراتيجية للحروب». خلف سعود الكبير، ابنه عبدالله، لكن سلالة آل سعود امتدت من صلب عبدالله بن محمد، النجل الثاني لمنشئ الأسرة، وهو تركي نجل عبدالله بن محمد، ومنها تحدر الملك عبدالعزيز آل سعود. فيصل بن تركي حكم نجد، سنة 1246هـ إلى 1255هـ، ثم حكمها فترة ثانية من 1259هـ إلى 1282هـ - 1843م إلى 1865م. وُلِدَ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد آل سعود في 29/12/1297هـ الموافق 2/12/1880م. عندما تعرف المعاناة وحجم الحروب التي خاضها هؤلاء المؤسسون، تُدرك عظمة هذه الدولة السعودية، التي كانت في كل مرة تخوض حرباً ضد الطغيان، والفوضى، والجوع، والتشرذم تلك التي كانت تُعاني منها شعوب المنطقة، لتستعيد حقاً سُلِبَ منها، توحَّدت في كل مرة، وقامت بنهضة تُواكب معطيات الزمن الذي تعيشه، لكن النهضة في طريقها لاستكمال مظاهرها حتى يومنا هذا، و ها نحن نحتفي بذكرى التاريخ المجيد، وبما وصلت إليه دولة آل سعود، وطننا المملكة العربية السعودية.
مشاركة :