مراجعات في الثقافة المغولية في شبه القارة الهندية

  • 2/23/2022
  • 00:00
  • 75
  • 0
  • 0
news-picture

في منتصف العهد المغولي دخلت الألحان الفارسية شمال الهند وامتزجت بالألحان الهندية وأخذت لونًا غنائياً خاصًا وبالذات في أوساط المتصوفة الهنود وأنشدت على تلك الألحان الغنائية أشعار ابن الفارض وجلال الدين الرومي.. يؤخذ على مؤرخي شبه القارة الهندية أنهم لم يتطرقوا في كتاباتهم إلى الحياة الثقافية في العهد المغولي والتي اقتصرت على كتابات بعض المؤرخين المسلمين والأوروبيين كأبي الفضل بن المبارك والبيروني وديوارانت وجوستان لوبون. فقد سجل مجتمع شبه القارة الهندية رقياً ثقافيًا واسعًا في العهد المغولي في مجالات الفن المعماري والترجمة والتأليف والمعاجم اللغوية والشعر والرواية والألحان المغولية واللغات. وقد عنيت الثقافة المغولية بالفن المعماري والذي تميز بالقباب البصلية المرصعة بالأحجار الكريمة والأقواس الهندسية الرائعة والأبواب المزخرفة والتي تبدو لك في ضريح همايون وقصوره والدراويز المقوسة والجامع الكبير وحصن اكرا تلك الهياكل المعمارية الجذابة المشربة بتقاليد فنون آسيا الوسطى والطرازات الهندية والتركية والفارسية العريقة. ترى في تلك المعالم الخيال والمثالية والجمال والتي تعد مظهراً من مظاهر الذهنية المغولية والتفكير المغولي فإذا ما اطلعت على إحداهن لاح لك جمال وكمال الفن المعماري في المساجد والأضرحة والقباب والمنارات والتي اتخذت أشكالًا هندسية زخرفية كمنارة قطب وضريح علاء الدين خلجي وضريح اسكندر لودي وضريح شرشاه وقلعة دلهي الجديدة ومعبد جو فيذدليو الهندوسي وتاج محل ذلك المثوى البديع الذي شيده شاهجهان لزوجته أرخميند بانو والذي يمثل الروعة في البهاء والجمال  والحب. فقد افتتن المغول بالجمال وحب الطبيعة ومباهجها والتي تبدو لك في الحدائق النضرة والتي توحي لك بطراز خاص يجمع ما بين الفن والبهاء والجمال، وقد نقل الإيطاليون والبريطانيون أشكال ونمط تلك الحدائق إلى مدنهم ولا زال الشعراء إلى اليوم يتغنون - بالفارسية والأوردية - بمفاتن تلك الحدائق وجمالها. وقد بلغ الفنانون والنقاشون والنحاتون الإعجاز الفني في النحت والخط ونقش اللوحات والتي ترى نماذج لها في المتاحف العالمية. وفي منتصف العهد المغولي دخلت الألحان الفارسية شمال الهند وامتزجت بالألحان الهندية وأخذت لونًا غنائياً خاصًا وبالذات في أوساط المتصوفة الهنود وأنشدت على تلك الألحان الغنائية أشعار ابن الفارض وجلال الدين الرومي. إلا أن الإنجاز الثقافي المغولي الباهر تمثل في المعاجم اللغوية كجامع العلوم ومعجم [كشاف اصطلاحات الفنون] ومعجم [تاج العروس]. وفي القصة والرواية ترجمت رواية [بدامافات] من الهندية إلى البنغالية كما نقلت القصة الفارسية [سيف الملوك ويد مع الجمال] إلى اللغة البنغالية وترجمت قصيدة [مهابترا] إلى اللغة البنغالية وكتاب [بهاجغادجينا] إلى اللغة البنغالية. وفي مجال التأليف كتب بابر سيرته الذاتية وكتبت ابنته كلبدان كتاب [همايونامة] والذي اعتبر مرجعًا في تاريخ سلاطين المغول وقد كتبت زيب النساء مجموعتها الشعرية باللغتين العربية والفارسية. وقد صادف سوق الثقافة والحياة الفكرية رواجاً عند أكبر وقد أوقف المؤرخ عبد القادر بدوني المجلد الثالث من كتابه منتخب التواريخ على ذكرى رجاله والمشتغلين به وكان من أعلامهم ملا دعوة صاحبه [تاريخ ألفي] وأبو الفضل بن المبارك صاحب [أكبر نامه] و[آيين أكبري]، والكتاب الأول يستعرض فيه تاريخ الدولة المغولية منذ نشأتها، بينما يتحدث في الكتاب الثاني عن تقاليدها ونظم الحكم فيها ومظاهرها ومن بين تلك الكتب كتاب نظام الدين أحمد [طبقات أكبري] وكتاب محمد عبد الباقي [مآسي رحيمي] وكتاب محمد قاسم هندوشاه [تاريخ فرشتة] وأغلب هذه الكتب نقل بعضها إلى عدد من اللغات وجميعها صنف بالفارسية التي كان لها ولآدابها رواج كبير في الهند أيام الحكم المغولي وقد أقبل كثير من الهندوس على دراستها. ويدين الهندوس لأكبر في إحياء آدابهم السنسكريتية من جديد وظهور طبقة ممتازة من كتابهم وشعرائهم وبسبب نظرته المتسامحة وتشجيعه أقبل فريق من المسلمين على الاشتغال بتلك الآداب فقد  نظم الشعر بالسنسكريتية الوزير عبد الرحيم خانخنان. وفي عهد جهانكير كتب معتمد خان تاريخه المعروف [باقبالنامة جهانكيري] وكتب كامكر خان [مآثر جهانكيري] وكتب الشيخ نور الحق [زبدة التواريخ] كما ألف في عهد شاهجان [بادشاهنامه] لعبد الحميد لهوري، ثم لأمين  قزويني و[شاهجننا] لعناية خان، كما كتب دار شكوه بن شاهجان في التصوف المقارن مثل [مجمع البحرين] وترجم [سفينة الأولياء] ونقل إلى الفارسية البونوشياد، وبهادجافيتا ويوجا ماشيست. حتى إذا بلغنا عصر أورانجزيب وجدنا عنده من المؤرخين محمد هاشم المعروف بخافي خان صاحب «منتخب اللباب»، وسخن راي ختري صاحب «خلاصة التواريخ»، ومحمد مستعد خان صاحب «مآثر عالمكير»، ومحمد كاظم صاحب «عالمكيرنامه»، وأشهر ما كتب في عهد أوانجزيب «الموسوعة الفقهية الكبرى»، المعروفة بـ«الفتاوى الهندية» أو «العالمكيرية»، التي عهد بتأليفها إلى فريق من خيرة علمائه، فأجملوا فيها الفقه الحنفي كله إجمالاً شاملاً، ولم يمض على الفراغ من تأليفها أكثر من قرن ونصف القرن حتى طبعت في القاهرة ونشرت، وذلك قبل منتصف القرن التاسع عشر الميلادي؛ مما يدل على  الروابط الثقافية الوثيقة بين الشعوب الإسلامية.

مشاركة :