أخيراً سقط واحد من سماسرة النصب البديل بعد أن كوّن ثروة تقدر بمئات الملايين من النصب بأعشاب «الفنكوش» التى تشفى كل الأمراض من الإسهال والروماتيزم حتى السرطان والتبول اللاإرادى!! لكنه لن يكون الأخير، فالمشتل الجهنمى للتجار يعتمد على جهل الضحايا، لذلك سيظل يثمر لنا نصابين ودجالين ومجرمين جدداً، كانت لى تجارب عديدة مع دجالى الأعشاب وتجار الطب النبوى وصلت إلى المحاكم، وبرغم كل المصاعب التى عانيتها فى هذا الموضوع بداية من السباب بأفحش الألفاظ حتى التكفير، فإننى واصلت الكتابة فى هذا الموضوع الذى أعرف أن هدمه أصعب من هدم خط بارليف! إلا أننى بعد هذه الفترة من الصراع آمنت بأن ساحات المحاكم لن تحسم هذا الموضوع أبداً، فمعظم من واجهتهم، ورغم وضوح نصبهم، فإن الثغرات القانونية وحيل الدفاع أخرجتهم كالشعرة من العجين، ويكفى أنه فى قضية من تلك القضايا أخذ النصاب براءة لأن «مفيش حد اشتكى لنقابة الأطباء، وما دام مفيش شكوى يبقى مفيش جريمة!»، إنها لا تحتاج لتغيير قانون، ولكنها تحتاج لتغيير ثقافة، ولذلك آمنت بأنه لا بد قبل أى إجراء مع الفضائيات النصابة -وهو إجراء ضرورى- أن نخلق المواطن الذى لديه جهاز مناعة قوى ضد نصب هذه الفضائيات الحصرى، لا بد من صناعة كرات دم بيضاء ضد هذه الأفكار السوداء، هذا هو أسهل طريق مختصر لمحاربة هذا النصب، ولذلك سأقدم سريعاً بعض النقاط كدليل للمواطن المصرى لعدم الوقوع فى فخ النصب الحصرى: لا يوجد شىء اسمه دواء يعالج كل حاجة وكل شىء وكل عرض، لا يمكن أن أصدق أن هناك دواءً يعالج زيادة ونقص الغدة الدرقية فى نفس الوقت، وأيضاً لا يوجد دواء يعالج عضواً، وإنما هناك دواء يعالج خللاً ما أو اضطراباً ما أو يقتل بكتيريا ما.. إلخ.. «يعنى مفيش دوا نقول عليه يعالج الكبد أو يعالج القلب مثلاً، فيه دوا نقول إنه بيعالج خلل الإنزيم الفلانى أو يقطع سلسلة تكاثر الفيروس فى الجزء العلانى.. إلخ»، هذه هى فلسفة الدواء فى عصر الطب القائم على الدليل. «أنا خدت الدوا ده وخفيت.. يعنى إيه خفيت؟»، ما معنى الشفاء؟ عندما تقول لك سيدة إنها شربت بول إبل أو تعرضت للدغ نحل وشفيت من الانزلاق الغضروفى، هل الشفاء هو ذهاب الأعراض التى من الممكن أن تعود أكثر قسوة أو أن يكون غيابها إنذاراً بشىء أخطر مثل غياب الألم فى بعض السرطانات، والذى هو أكثر خطورة من ألم غير سرطانى؟ هل صورة الأشعة أو الرنين أظهرت أن الفقرة عادت إلى مكانها وأن الأعصاب لم يعد مضغوطاً عليها؟!! الشفاء من خلال تأكيد التحاليل والباثولوجى والأشعة.. هذا هو معنى الشفاء فى الطب وليس أن تقول جدتى: ركبتى خفت تبقى خفت!! من الممكن أن تخف بعد تناول أى شىء، ومنه الدواء، وهذا له أكثر من معنى، من الممكن أن تكون طبيعة المرض أنه يشفى دون دواء، ومن الممكن أن يكون بسبب الدواء، ومن الممكن أن تكون صدفة أن تزامن الشفاء مع آخر جرعة دواء لأن مدة الحضانة هى نفس مدة تناول الدواء.. إلخ، ما الذى يحسم ذلك؟ التجارب المعملية والمجموعة الضابطة التى يقاس عليها نجاح الدواء ودرجة السمية.. إلخ، والأعشاب ينطبق عليها نفس الكلام، ونحن لسنا ضد الأعشاب كما يفهم البعض، ولكننا ضد عشوائية الأعشاب التى لا بد أن تدخل فى إطار البحث العلمى، فكلنا يستعمل الأسبرين والديجيتالس والأتروبين، وهى أعشاب ولكنها خضعت للتجارب الصيدلية والإكلينيكية حتى عرفنا الجرعة والأعراض الجانبية.. إلخ، وطريقة تحضير العشب فى مصنع الدواء صيدلياً تنقيه من سموم الأفلاتوكسين التى من الممكن أن تسبب سرطانات.
مشاركة :