أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بدخول منطقتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا الاثنين، في تحدّ للغرب أثار ردود فعل غاضبة ومندّدة في مجلس الأمن اعتبرت الخطوة "ذريعة لحرب". ورغم ذلك، أعلنت روسيا الثلاثاء أنها لا تزال "مستعدة" لإجراء مفاوضات مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي من المقرر أن يلتقي نظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف الخميس. وشوهدت طوابير طويلة من المعدات العسكرية، تشمل دبابات، في مدينة دونيتسك الانفصالية بعدما أمر بوتين وزارة الدفاع بإرسال قوات إلى المنطقتين "لحفظ السلام"، في مرسوم أصدره بعد قليل من إعلانه الاعتراف باستقلال المنطقتين. وذكرت وكالة "رويترز" أن حوالي خمس دبابات شوهدت في طابور على أطراف دونيتسك واثنتين في جزء آخر بالمدينة. ولم تظهر شارات على المركبات. وبعد أسابيع من حشد جنود في محيط أوكرانيا، اعترف زعيم الكرملين باستقلال منطقتي لوغانسك ودونيتسك اللتين يسيطر عليهما متمردون أوكرانيون موالون لموسكو منذ عام 2014. وأتبع ذلك بأمر الجيش الروسي بـ"حفظ السلام" في المنطقتين. وفي خطاب حماسي متلفز استمرّ 65 دقيقة، وجّه بوتين سيلا من الانتقادات لأوكرانيا، واصفا إياها بالدولة الفاشلة ومعتبرا أنّها ليست إلا "دمية" في أيدي الغرب. وفي مرسومين رسميين، أمر بوتين وزارة الدفاع الروسية بأن "تتولّى القوات المسلحة الروسية مهمة حفظ السلام على أراضي الجمهوريتين الشعبيتين". وقال بوتين إنه كان من الضروري "اتخاذ قرار تأخّر كثيرا، بالاعتراف فورا باستقلال كلّ من جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية وسيادتهما". وصادق مجلس الدوما الروسي الثلاثاء على الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المنفصلتين عن شرق أوكرانيا كدولتين مستقلتين، حسبما أفادت وكالة الأنباء الروسية "إنترفاكس". وأثار الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين تنديدا دوليا، وتهديدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض حزمة أوسع من العقوبات الاقتصادية ضد موسكو. وأعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الثلاثاء أن الاتحاد سيقرّ عقوبات ضد روسيا "بعد ظهر اليوم (الثلاثاء)". وكان متحدث باسم البيت الأبيض قال الاثنين "نخطط لإعلان عقوبات جديدة ضد روسيا غدا (الثلاثاء)، ونحن ننسق مع حلفائنا وشركائنا بشأن هذا الإعلان". وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة الليلة الماضية، سخرت خلالها السفيرة الأميركية ليندا توماس - غرينفيلد من تأكيد بوتين أن مهمة القوات الروسية "حفظ السلام"، قائلة "هذا هراء. نحن نعرف ما هي حقيقة هذه القوات". قوات روسية تدخل دونيتسك ولوغانسك عقب اعتراف بوتين باستقلالهما قوات روسية تدخل دونيتسك ولوغانسك عقب اعتراف بوتين باستقلالهما لكن السفير الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أكد خلال الجلسة أن بلاده "تبقى منفتحة على الدبلوماسية". وصرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في تعليقات نشرت على موقع يوتيوب الثلاثاء، "حتى في اللحظات الأكثر صعوبة... نقول: نحن مستعدّون لآلية مفاوضات، لذلك موقفنا يبقى نفسه (...) لا نزال نؤيد سلوك المسار الدبلوماسي". وأثار إعلان بوتين هلعا في الأسواق المالية. وتهاوت الأسهم في جلسات التداول الأولى في آسيا، فيما ارتفعت أسعار النفط. كما تراجع مؤشر البورصات الروسية بأكثر من 8 في المئة عند افتتاح التداولات الثلاثاء. كما تراجعت الأسهم الأوروبية لدى افتتاح جلسات التداول أيضا. وقالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وحفظ السلام روزماري ديكارلو خلال جلسة مجلس الأمن الدولي "الساعات والأيام القادمة ستكون حرجة"، مشيرة إلى أن "هناك خطرا حقيقيا لنشوب نزاع كبير، ويجب منعه بأي ثمن". وما إن انتشرت أنباء اعتراف موسكو بالمنطقتين في شوارع كييف، حتى خيمت حالة من عدم التصديق على الكثيرين، الذين قالوا رغم ذلك إنهم على استعداد للدفاع عن بلدهم إذا تطلّب الأمر ذلك. وعقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي اجتماعا لمجلس الأمن القومي، وأجرى مكالمات هاتفية مع العديد من قادة العالم في محاولة لحشد الدعم. وطالب في خطاب متلفز، بث في وقت متأخر، الغرب بتقديم "دعم واضح" لبلاده، مشددا على أن كييف لا تخشى أحدا. وقال "من المهم أن نرى من هو صديقنا الحقيقي وشريكنا، ومن سيواصل إخافة الاتحاد الروسي بالكلام"، وأضاف "نحن على أرضنا". وألمح بوتين أكثر من مرة في خطابه إلى أنّ أوكرانيا هي تاريخيا جزء من روسيا. واتهم سلطات كييف باضطهاد الناطقين بالروسية والتحضير لـ"حرب خاطفة" ضد منطقتي دونيتسك ولوغانسك. وقال "بالنسبة لأولئك الذين انتزعوا السلطة ويمسكون بزمامها في كييف، نطالب بوقف فوري لعملياتهم العسكرية"، مضيفا "وإلا فإنّ المسؤولية عن استمرار سفك الدماء ستقع على ضمير النظام الحاكم في أوكرانيا بشكل كامل". وشدد على أن الرهانات أكبر من أوكرانيا، التي أدت مساعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي إلى إغضاب موسكو بشدة. وقال بوتين إن "استخدام أوكرانيا أداة مواجهة مع بلدنا يمثل تهديدا خطيرا وكبيرا جدا لنا". واعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قرار بوتين "انتهاكا صارخا لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها"، فيما توعدت وزيرة الخارجية البريطانية بفرض عقوبات جديدة على روسيا. وتعهّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال بأن "يرد الاتحاد الأوروبي عبر فرض عقوبات على المتورطين في هذا التحرّك غير القانوني". ودعت الصين في اجتماع مجلس الأمن الدولي جميع الأطراف إلى ضبط النفس وإلى حل دبلوماسي للأزمة. وجاء إعلان بوتين بعد أسابيع على التوتر بين موسكو ودول الغرب حول أوكرانيا. ويحذّر القادة الغربيون منذ أسابيع من أن روسيا تخطط لغزو جارتها الموالية للغرب، بعدما حشدت أكثر من 150 ألف جندي عند الحدود، وهو أمر نفته موسكو مرارا. وتصاعد التوتر في الأيام الأخيرة، بعد قصف عنيف على جبهة القتال بين أوكرانيا والانفصاليين في شرق أوكرانيا، وسجّلت سلسلة حوادث عند الحدود مع روسيا. وأعلن مسؤولون أوكرانيون مقتل جنديين ومدني في قصف استهدف قرى قريبة من الجبهة مع الانفصاليين الاثنين. وتسببت المخاوف من تفجر النزاع في فرار سكان من العاصمة الأوكرانية، فيما أعلنت الولايات المتحدة مساء الاثنين إرسال جميع دبلوماسييها المتبقين في أوكرانيا إلى بولندا، بسبب مخاوف أمنية.
مشاركة :