فنانون برازيليون يحوّلون الجائحة إلى جداريات فنية ضخمة

  • 2/23/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أن الغرافيتي قد يراه البعض عملا تخريبيا هدفه تشويه المكان العام، فإنه يعتبر أيضا أحد أشكال الفن الحديث، وطريقة للدعاية مرتبطة بالشباب، ويمكن مشاهدته في صالات العرض العالمية، وهو يستخدم لإيصال رسائل سياسية واجتماعية وثقافية عديدة. ولعل ما شهدته مدينة ساو باولو البرازيلية مؤخرا من رسومات جدارية ضخمة تواكب واقع جائحة كوفيد – 19 وتؤرخ لتفاصيلها وتقدم رسائل متعددة منها الامتنان للطواقم الطبية ومنها بعث روح الأمل ومنها رسائل إيمانية تحاول تخفيف وطأة الوباء وما خلفه في العالم من حالات خوف وفقدان. الإيمان والأمل جائحة كوفيد – 19 ألهمت رسامي ساو باولو التي باتت أشبه بعاصمة «فن الشارع» في الدولة الأميركية اللاتينية يغطّي رسم يمثّل يدين مجموعتين بطريقة تدل على الصلاة وتحملان سماعة طبية جدار مستشفى كبير في ساو باولو، حيث ألهمت جائحة كوفيد – 19 أعدادا كبيرة من رسامي المدينة البرازيلية التي باتت أشبه بعاصمة “فن الشارع” في الدولة الأميركية اللاتينية. وعادت ساو باولو تنبض بالحياة بعدما أدت الجائحة إلى إجراءات إقفال وحجر استمرت أشهرا في المدينة الضخمة التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، ووجد الفنانون في الأزمة الصحية غير المسبوقة مصدرا خصبا للوحي، وزينت أعمالهم المستلهمة منها جدران المدينة التي أصبحت أصلا منذ تسعينات القرن الماضي أشبه بـ”متحف في الهواء الطلق”. ويوضح صاحب اللوحة التي رُسمت على جدار أكبر مستشفى للعيادات في أميركا اللاتينية إدواردو كوبرا أنّ الرسم “يجمع العلم والإيمان لإظهار عدم وجود أي تناقض بينهما في مواجهة الحركة المعادية للعلم”. ويتابع الفنان البالغ 47 عاما الذي تحظى رسومه بشهرة واسعة في ساو باولو “من المهم جدا في الوقت الراهن التعبير عن فكرتي الإيمان والأمل ليفهم الأشخاص أنّهم ليسوا وحيدين، وهذا دور الفن”. ويقول الطبيب تادو كوستا (35 عاما) العامل في المستشفى إنّ “التكريم مؤثر لنا، نحن من نحارب الوباء في أيامنا كلّها”. ومن المعروف أن رسوم الغرافيتي منتشرة في الأحياء الشعبية والأماكن العمومية، وتحمل في غالبها رسائل الغضب والسخرية والفكاهة، وفي بعض الأحيان تتضمن أبيات شعر خالدة أو رسوما طريفة أو رسائل مشفرة تشد انتباه المارة. ورغم أن الصدام مع السلطات الحاكمة في المدن شرط بل يكاد يكون أمرا لا بد منه في فن الغرافيتي، حيث أسّست في نيويورك فرقة خاصة بمكافحة رسوم الشوارع لإزالة تلك “البشاعات”، كما يصفها شرطي، عن جدران المدينة، فإن الأمر مختلف تماما مع الرسوم التي تعرفها مدينة ساو باولو والتي جاءت متوحدة مع جماليات المدينة ومكملة لرونقها، ومتعاونة مع مجهودات المؤسسات الرسمية كالمستشفيات في مواجهة الوباء. رسائل امتنان تكريم لجنود الصف الأول تكريم لجنود الصف الأول شكل الوباء تحديا للثقافة الشعبيّة والمتخيلات التي تقدمها عن البطولة، فالشخصيات التقليدية كسوبر مان وسبايدرمان وغيرهما من الأبطال الذين يواجهون الشرّ والأخطار التي تهدد مصير البشرية يبدون شاحبين، يشبهوننا، قدراتهم “الخارقة” لا تحمل أيّ جدوى، بل يكتفون مثلنا بوضع الكمامات، والتجول في الشوارع الفارغة، فالخطر هذه المرّة لا يحتاجُ قدرة على الطيران أو تسلق الأبنية، بل يتطلب هدوءا وتركيزا عاليين، وتجارب مخبرية طويلة كي ينجح تصنيع الترياق. وعوض الأبطال الخارقون بأبطال آخرين هم الطاقم الطبي من الممرضات والمنظفين والأطباء وغيرهم ممن لم يكن العالم يوليهم الأهمية الكبرى كأبطال في الصف الأول، وهو ما انتبه له الكثير من فناني الغرافيتي، وخلدوا جداريات تمجد الطواقم الطبية وتكرمهم وتوجه إليهم رسائل امتنان فنية. وأنجز إدواردو كوبرا كذلك رسوما لمعهد بوتانتان في ساو باولو ولمؤسسة أوزوالدو فيوكروز في ريو دي جانيرو. وينتج المعهد والمؤسسة لقاحات مضادة للفايروس في البرازيل حيث قتل الوباء أكثر من 640 ألف شخص، وهي الحصيلة الأعلى في العالم بعد الولايات المتحدة. ورسمت بريسيلا باربوسا ممرضة تضع كمامة وتحمل زهورا، في إشارة إلى حملة تضامن بعنوان “زهور للأبطال” انطلقت عام 2020 في الولايات المتحدة واستهدفت موظفي المستشفيات والعاملين الأساسيين فيها. وتقول الفنانة التي وجدت أن العاملات في المجال الطبي يندرجن ضمن موضوعها الأساسي عن النساء اللواتي أدّين أدوارا في ثورات أميركا اللاتينية “كنّا نعرف في تلك المرحلة القليل عن كوفيد، فللممرضة هالة من الضوء كشخص قادر على تقديم المساعدة”. ورسم فالدير غريزوليا جدارية لممرضة تحمل ورودا بيضاء ترمز للسلام. ويقول “اعتقدت أنّ مساهمتي أمر مهم، ولأنني لست طبيبا ساهمت من خلال فني المتجسّد في هذه اللوحة الجدارية”. وفي ظلّ تفشي الوباء انتشر في الكثير من مدن العالم فن الغرافيتي بوتيرة أسرع وزخم أكبر، محاولا التعبير عما يختلج في نفوس الناس ممن لا يعيرهم “الفن الرسمي” أو الفن النخبوي مساحة للتعبير، لكن انتشار هذا الفن خلق نوعا من الجدل بين من يراه مؤشّرا على الفوضى ومن ينظر إليه على أنه سمة من سمات الحيوية. بينما ترجح الكفة إلى الفنانين الجادين الذين نجحوا في تحويل شوارع المدن مثل ساو باولو إلى معرض فني مبهر ومفتوح للعموم.

مشاركة :