لطالما اعتدنا على فكرة أفلام مستمدة من روايات أو قصص تاريخية وأخرى حقيقية، إلا أنه مع تعدد مصادر المعلومات وما رافقها من تطورات تقنية، ومع نهاية تسعينيات القرن الماضي، وجد صناع السينما ألعاب الفيديو مصدرا مثيرا وجاذبا لينسجوا منها أحداث أفلامهم، وتقديم شخصياتها وأحداثها على شاشة السينما، خاصة أن قصص ألعاب الفيديو تناسب أفلام الحركة وأفلام الخيال العلمي، وكلاهما من الأنماط السينمائية الأكثر جماهيرية. وتمتلئ محفظة هوليوود بعديد من الأفلام التي ترتكز شخصياتها على عوالم ألعاب الفيديو، وطبعا لن يكون آخرها الفيلم الجديد "أنشارتد 2022"، لكن اللافت للنظر أن النسبة الكبرى من تلك النوعية من الأفلام حققت شيئا من النجاح في شباك التذاكر، لكنها تلقت سيلا جارفا من النقد ووجدت نفسها في وسط زوبعة هوجاء من التقييمات المتدنية من النقاد السينمائيين، وهنا سؤال يطرح نفسه: ما مصير فيلم توم هولاند الجديد؟. ما بين إنديانا جونز و"سبايدر مان" .. صراع الذكاء مع العضلات في الواقع لم تكد تخفت حدة الضجة الكبيرة التي أثارها في فيلمه Spider-Man: No Way Home 2021 بشخصية سبايدر مان، حتى عاد الممثل الشاب توم هولاند مجددا إلى الأضواء بفيلمه الجديد "أنشارتد"، الذي اقتبس من لعبة مشهورة تحمل الاسم نفسه Uncharted Legacy of Thieves Collection، وحازت أكثر من 150 جائزة للألعاب. وفي إطار من المغامرة والكوميديا والدراما والأكشن، تصدر البوكس أوفيس فيلم "أنشارتد"، النسخة الخالية من الدسم، على حد وصف الناقد من سلسلة إنديانا جونز، ويتمتع هذا الفيلم بجودة عالية من مشاهد الأكشن والمغامرة، كما يضم كثيرا من الحركات والتنقلات والابتكارات الملحمية بما في ذلك بعض المشاهد الخلابة كما في اللعبة، ما يجعل فيلم "أنشارتد" مرغوبا بدرجة كبيرة لجميع محبي اللعبة في العالم الافتراضي. السباق لحل الألغاز يروي الفيلم قصة ناثان دريك صائد الكنوز الذي يلعب دوره الممثل توم هولاند، وكما جاء في اللعبة، كان يتيما وأول شريك له كان زميله فيكتور سوليفان الملقب بـ"سولي"، يلعب دوره الممثل مارك وولبيرج، ومهمته هي البحث عن الكنز المنسي حول العالم، لكن كان الفيلم نسخة سيئة عما رأيناه في اللعبة. وبالنسبة إلى السلسلة التي هي سلسلة مخففة من "إنديانا جونز"، فقد سلطت الضوء على عيوب اللعبة. وتبدأ المغامرة بكونها عملية سرقة لكنز مفقود، لكنها تتخذ مسارا أكثر إثارة وخطورة عندما يجد الثنائي أنفسهما في مواجهة مع غريم ثالث لهما هو سانتياكو مونكادا، يؤدي دوره أنطونيو بانديراس، الذي يسعى هو الآخر للوصول إلى الكنز والاستحواذ عليه، الذي تتجاوز قيمته خمسة مليارات دولار. وعليهم جميعا التسابق لفك القرائن وحل أحد أقدم الألغاز في العالم. ولم تكن مشاهد الحركة قوية، يبدأ الفيلم في منتصف السقوط الحر، حيث يدرك دريك أنه سقط من طائرة، والمشاهدين المتابعين سيعرفون فورا بالتسلسل من لعبة "أنشارتد 3"، التي نشاهده فيها وهو يقفز عبر البضائع المتساقطة، ونتساءل عما إذا كان ذلك ممكنا حتى عندما كان كل شيء في هبوط، لكن المشهد بأكمله يبدو كأن توم هولاند يسير في أكثر رحلات ديزني العالمية خطورة. بدون هزة يد تحكم البلايستيشن، وتحمل مسؤولية موت دريك الوشيك، فليس هناك أي مخاطر. لذلك الفيلم غير مثير مقارنة بما رأيناه في أفلام "المهمة المستحيلة" الأخيرة، حيث قفز توم كروز وكريج أوبراين مصور القفز بالمظلات من طائرة فعليا عدة مرات فقط من أجل الترفيه!. كيف ولدت فكرة الفيلم ومتى؟ لم تكن فكرة "أنشارتد" وليدة اللحظة، بل حاولت شركة سوني عمل فيلم "أنشارتد" منذ 2008، بدأها ديفيد أوراسل المخرج الفني. وقد كان الإصدار من بطولة وولبيرج الذي يلعب شخصية ناثان دريك، الأكبر سنا كما كان في اللعبة، وتركز على فكرة الأسرة، لكن انتهى المشروع بتغيير الفريق عدة مرات خلال العقد الماضي. بحلول الوقت الذي كانت تستعد فيه بالفعل للإنتاج في 2020، كان وولبيرج تقدم في السن للعب دور البطولة. أفلام سابقة مقتبسة من ألعاب فيديو بعد أن رأينا عديدا من أفلام ألعاب الفيديو مثل "ريزدنت إيفل: ويلكم تو راكون سيتي" و"أساسينز كريد"، فلقد فقدنا الشغف تماما، وبدأنا نتساءل عما إذا كان هناك سر لتبني لعبة جديدة؟ الجماهير المختلفة تريد أشياء مختلفة، بعد كل شيء، يرغب عشاق اللعبة عادة في رؤية الشخصيات والتسلسلات التي يحبونها كثيرا التي يتم إضفاء القصة الأصلية عليها في الفيلم. قد يقارن محبو الأفلام التعديلات بأفلام أخرى عادة ما تكون أفضل. والمسؤولون التنفيذيون في الاستوديو يريدون فقط الملكية الفكرية الحالية التي يمكنهم طرحها على الجمهور. هناك عدد قليل من أفلام ألعاب الفيديو التي لا تنسى، لكنها في الغالب تبدو محظوظة، كانت "مورتال كومبات" الأصلية أيقونية بسبب تأثيراتها الصوتية القاتلة وتقطيع الأعضاء في ذلك الوقت. لا علاقة للمستذئبين بعالم الواقع الافتراضي. أما فيلم "سونيك ذا هيدجهوج" فقد كان جميلا بسبب من لعب دور البطولة. لكن في خضم كل هذه الأفلام لا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن للفيلم أبدا التقاط السحر التفاعلي والحرية التي تحصل عليها من اللعبة. وعندما تلعب شيئا ما، غالبا ما تخرجك المشاهد والتوجيهات القاسية من التجربة، إلا إذا كنت هيديو كوجيما، المصمم والمخرج ومنتج ألعاب فيديو ياباني، ففي هذه الحالة سيزعم اللاعبون أن كل هذا عمل عبقري. عندما يلتقي كبار نجوم هوليوود في عمل واحد كان فيلم "أنشارتد" قد جمع نخبة من نجوم هوليوود بدءا من المخرج روبن فلايشر، مخرج "زومبي لاند"، وقصة مات هولوواي، مؤلف إيرون مان، وسيناريو وحوار راف لي جودكينز وآرت ماركوم، استنادا إلى سلسلة ألعاب الفيديو الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه. وبطولة توم هولاند بطل ثلاثية "سبايد رمان" الأخيرة، وثاني أصغر ممثل يفوز بجائزة BAFTA كأفضل نجم صاعد وهو في سن الـ20 عام 2017، ومارك والبيرج المرشح لجائزة "الأوسكار" كأفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم The Departed وجائزة "جولدن جلوب" كأفضل ممثل عن دوره في فيلم The Fighter، وصوفيا علي، تاتي جابرييل، إضافة إلى أنطونيو بانديراس الممثل متعدد المواهب، الفائز بجائزة مهرجان "كان"، وجائزة "الفيلم الأوروبي"، وجويا كأفضل ممثل عن دوره في فيلم Pain and Glory 2019، الذي ترشح عنه أيضا لجائزة "الأوسكار" و"جولدن جلوب". وفي الختام، على الرغم من قوة الممثلين، إلا أن الضعف في السيناريو وضع الفيلم في مهب الريح، يتطاير بين أحداث غير متسقة ويحاول أن يجذب المشاهد ببعض الأكشن، فنجح في استقطاب الجماهير التي تبحث عن فيلم خفيف لعطلة نهاية الأسبوع، لكنه لم ينجح في تسجيل أيقونة في عالم هوليوود، لتنطلق كسلسلة مستقبلا.
مشاركة :