هناك نقطة هامة لا بد من الإشارة إليها تتعلق بأثر التغيرات اللغوية الكبيرة التي أصابت لهجتنا الإماراتية على تراثنا الشعبي الذي نعتز به ونفخرُ باعتباره أحدَ الأعمدة الهامة التي تقوم عليها الهوية الوطنية، ذلك أن هذا التراث، وبالأخص الجانب الأدبي منه، قيل باللهجة المحلية الدارجة، وهو يعكس لنا التطورَ الذي طرأ عليها عبر السنين منذ عهد الماجدي بن ظاهر حتى يومنا هذا، ولا شك أن الأدب الشعبي الذي أنتجته القرائح خلال الحقبة التي سبقت ظهور النفط، وهو كمٌّ كبير لا يستهان به، قد أصبح مهدداً اليوم بتحوله في نظر أبنائنا إلى نصوص غامضة المعاني بسبب شيوع المفردات والتعابير القديمة فيها، والمعبرة عن شؤون وشجون المجتمع التقليدي، ولذا فإن هذا الأدب يواجه عزوفاً من جانب القراء قليلي الحصيلة اللغوية وغيرِ المتمرسين بالتراث الشعبي، من خلال مخالطة كبار السن والاستفادة من مروياتهم في التعرف على مجريات الحياة في المجتمع قديماً، فرغم حركة النشر الواسعة لدواوين شعرائنا القدامى أو مجاميع المختارات الشعرية، وتحويل كثير من القصائد إلى أغان غناها مطربون محليون، إلا أن افتقار تلك الدواوين والمجاميع للشروح، والاكتفاءَ أحياناً بشرح مفرداتٍ محدودة، يجعل المشكلةَ قائمة، وقس على ذلك الأهازيجَ والأمثالَ والخراريفَ وغيرَها. وقد ظهرت منذ عقد الثمانينات محاولات لتأليف معاجم لغوية خاصة باللهجة العامية تخدم الباحثين، وتحفظ ما يمكن تداركه من مفردات فظهر كتاب معجم الألفاظ العامية في الإمارات للدكتور فالح حنظل، ثم صدر له معجم بحري متخصص هو معجم الغوص واللؤلؤ في الخليج العربي، كما صدر أخيراً، عن أكاديمية الشعر في أبوظبي، مُعجم الرمسة الإماراتية، الذي يحوي نحو 1500 كلمة إماراتية مُترجمة للغة الإنجليزية، يحتاج إليها غير الناطقين باللغة العربية ليتحدثوا اللهجة الإماراتية، ويُعد المعجم الأول من نوعه المُعتمد أكاديمياً والمُتخصّص. وشارك في إعداده: حنان الفردان المدير العام لمعهد الرمسة لتعليم اللهجة الإماراتية، وعبدالله الكعبي. ومع تقديرنا لكل جهد مبذول في خدمة تراثنا الإماراتي الأصيل ولهجتنا المحلية، إلا أن المطلوب أكبر من ذلك بكثير، ذلك أن كل شأن من شؤون الحياة التقليدية يحتاج منا الى تأليف معجم خاص به، وهذا يتطلب جهداً جباراً ربما لا يعرفه إلا من كابد تأليف المعاجم، كما ينبغي أن ندرك بأننا في سباق مع الزمن، فالمفردات القديمة تراث شفاهي قابل للتلاشي بموت حفاظه، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
مشاركة :