حضارات متجذرة في التاريخ ومستقبل مشرق

  • 2/24/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مشاركتنا احتفالات المملكة العربية السعودية الشقيقة بذكرى يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى على يدي الإمام محمد بن سعود، جعلتنا نسترجع الماضي التليد لهذه المنطقة العظيمة في كل حقب التأريخ البشري، هي منطقة شبه الجزيرة العربية، التي أطلقت عليها الكثير من المسميات لكن مسمى (شبه الجزيرة العربية) هو الذي رسخ لدى المؤرخين والكُتاب والباحثين منذ أمد بعيد، فكلما ذكرت هذه المنطقة ذكرت المملكة العربية السعودية؛ لأنها الأكثر أهمية باعتبار أنها مركزية الدين الإسلامي الحنيف. إن الأدلة التاريخية والوثائقية القديمة تقول إن منطقة شبه الجزيرة العربية قد تميزت منذ آلاف السنين بالحركة الدؤوبة والتأثير الإنساني في مجالات كثيرة مختلفة، وقد لعبت دورًا مهمًا في تكوين السلالات البشرية الأكثر عددًا بين السكان الأقدمين، كما كان لهذه المنطقة نصيب كبير في التأثير الاقتصادي والاجتماعي، والمناطق المجاورة لها أيضا كانت ذات قيمة إنسانية وبشرية لها تأثيرها الواسع الامتداد. إن المملكة العربية السعودية عرفت من قيدم الأزل أنها موطن للعديد من الحضارات التي ازدهرت داخل حدودها، ومنها حضارات المقر، ومدين، وعاد، وثمود، إضافة إلى الممالك العربية التي نشأت في أماكن مختلفة من شبه الجزيرة العربية على امتداد طرق القوافل التجارية، وكانت بداية ظهورها في الشمال الغربي من الجزيرة في الألف الثاني قبل الميلاد. وتؤكد الاكتشافات الأثرية وجود مستوطنات العصر الحجري القديم في الجزيرة العربية منذ مليون سنة قبل الميلاد، مثل موقع الشويحطية بشمال المملكة، كما عثر على دلائل لمستوطنات أخرى تعود للعصر الحجري الوسيط، (50000) سنة قبل الميلاد في مواقع عدة منها (بئر حما) بمنطقة نجران. وقد أثبتت المواقع المكتشفة أن الاستيطان البشري لم يقتصر على منطقة بعينها في المملكة العربية السعودية خلال العصر الموستيري، بل كانت في معظم أنحاء المملكة، حيث تم اكتشاف العديد من المواقع، ومنها واحة (يبرين) الطبيعية، التي يرجع تاريخها إلى (30000) ثلاثين ألف سنة قبل الميلاد، إضافة إلى استمرار الاستيطان في العصر الحجري الحديث (10000) عشر آلاف سنة قبل الميلاد، ودليل ذلك موقع الثمامة في الرياض، حيث عثر على رؤوس سهام وأدوات تميزت باقتران غرضها الوظيفي بجوانب فنية وإبداعية. إن الآثار الباقية أكدت كذلك أن منطقة شبه الجزيرة العربية في المكان المعروف الآن بالمملكة العربية السعودية مرت بفترات متعاقبة، بداية بما خلفه الإنسان البدائي القديم في العصور الحجرية من أدوات حجرية ورسوم بدائية متفرقة، كما أنها تتضمن أساسًا ما تركته الجماعات العربية المتحضرة في عصورها التاريخية القديمة من آثار معمارية قائمة، كبقايا المعابد والأسوار والسدود والحصون والأبراج والمساكن والمقابر، وما عثر على ما تحتويه من آثار متنوعة لأدوات الاستعمال اليومي وأدوات الزينة وفنون النحت والنقش، في مناطق عدة من أنحاء شبه الجزيرة العربية. وقد ازدهرت في هذه المنطقة العديد من الحضارات القديمة التي وثقها كتاب الله العظيم (القرآن الكريم) في سوره وآياته مثل حضارة (قوم عاد)،الذين سكنوا شبه الجزيرة العربية، ويقول الباحثون إن مساكن عاد كانت في الأحقاف الواقعة في جنوب الربع الخالي. ومن الحضارات التي ظهرت في شبه الجزيرة أيضاً حضارة (قوم ثمود)، التي تعد من ضمن الحضارات البائدة التي تألفت من قبائل وعشائر متعددة، وقد بلغت حدًا عظيمًا من المدنية والازدهار في شمال الجزيرة العربية، واتفق المؤرخون المسلمون على أن أهم ديارهم كانت بوادي القرى فيما بين الحجاز والشام، وقد وجدت آثار لهم في مدينة العلا بين المدينة المنورة وتبوك، وكانوا بعد قوم عاد، وقد تميزوا كونهم ينحتون بيوتهم في الجبال. ويذكر المؤرخ السعودي عبد العزيز صالح في كتابه المشهور (تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة) أنه «تعاقبت على شبه الجزيرة العربية خلال تاريخها القديم عصور كثيرة سبقت عهود الجاهلية بمعناها المحدود بقرون طويلة»، ويشير إلى أن النصوص المسمارية هي أقدم المصادر التى سجلت تسمية العرب كتابة منذ أواسط القرن التاسع (ق. م) بصيغ أربي وأريبي وأريبو، وهى المصادر الوحيدة حتى الآن التي تحدثت عن نحو ست ملكات عربيات شماليات ظهرن خلال القرن الثامن والقرن السابع (ق. م). ومن المصادر المهمة التي تؤكد تجذر الحضارات في منطقة شبه الجزيرة العربية ما كتبه الرحالة والمؤرخون الإغريق والرومان الذين زاروا أطراف وسواحل شبه الجزيرة العربية أو جمعوا الأخبار عنها ممن زاروها من قبلهم، ثم سجلوا أسماء دولها ومدنها وموانيها وقبائلها، وأهم مصادر الثروة فيها، وطرق التجارة منها وإليها، وضمنوها فى مؤلفاتهم ابتداء من القرن الخامس (ق. م) على وجه التقريب». بين الماضي والحاضر تبرز المملكة العربية السعودية بقوة وثبات منطلقة من جذور حضارية عميقة الأثر أكدها المولى -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم، فيها أول بيت وضع للناس مكة المكرمة، وهو أول بناء بني لعبادة الله وتوحيده، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)، مدينة ليس ككل مدن الأرض، هي موضع شوق ملايين الناس وتوقهم على مدى قرون طويلة، تشرئب لرؤيتها الأعناق، كم من تضحيات عظمى بذلت في سبيل الوصول إليها، يفدون إليها من شتى بقاع الأرض على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وحالاتهم المعيشية، اجتمعوا على أمل رؤيتها، فكان هذا المبنى المكعب منتهى غاياتهم وأغلى أحلامهم، وأسمى أهدافهم، لو لم يكن في شبه الجزيرة العربية أي حضارات قديمة يكفيها عزًا وشرفًا الأرض التي باركها الله وجعلها قبلة للعالمين. وعندما نتحدث عن علاقات مملكة البحرين بشقيقتها المملكة العربية السعودية نتحدث عن رباط له آلاف السنين، وليس وليد اليوم؛ ذلك لأن السعودية كانت قد احتضنت أول مراكز الاستقرار المدنية في الجزيرة العربية إبان الألف الثالث قبل الميلاد، وتركزت بواكيرها على طول ساحل الخليج العربي، وكانت (دلمون) مركزًا لحضارة مزدهرة، وكان مركز تلك الحضارة في جزيرة تاروت في القطيف بالمنطقة الشرقية وجزر البحرين. ففي البحرين أقامت البيوت والعائلات النجدية وتجار الإحساء والقطيف، وإلى المنطقة الشرقية توافدت الهجرات البحرينية طلبًا للعمل والعلم، وكان التآخي في أجمل صوره الذي تمثل في زيارات ملوك المملكة العربية السعودية إلى البحرين من المغفور له -بإذن الله تعالى- الملك عبد العزيز مؤسس الدولة الحديثة، وحتى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه. إن المتتبّع لتاريخ المملكتين الشقيقتين وحاضرهما يلاحظ بصورة واضحة صلات القربى والمودة بين البلدين يجدها قوية راسخة بعيدة الجذور، حيث كان البحريني يحل أخا بين أهله في البلاد العربية السعودية، وحيث كان السعودي ينزل على الرحب والسعة بين أشقائه في البحرين معززا مكرما، وكانت الصلات التجارية تربط المصالح المُوحدة وتزيدها قوة، حيث غدت مياه الخليج همزة وصل بين موانئ البلدين عبر الأعصر، خاصة في الوقت الحاضر فانتقلت البضائع والمؤثرات الحضارية بين الشاطئين، وعبر جسر الملك فهد تقوي من وحدتهما وتزيد من ترابطهما في كافة المجالات. زبدة القول إن منطقة شبه الجزيرة العربية على طول المسيرة البشرية كانت مكان اهتمام وريادة وقدمت مساهمات جنبا إلى جنب مع الحضارات الأخرى، ومن هنا فإن التأثير الحضاري لكل من مملكة البحرين والشقيقة العربية السعودية جعل المملكتين في حالة تطور وتقدم مستمرين، وتتصاعد فيهما الحركة النشطة والدؤوبة من أجل مستقبل مزدهر، وقد حباهما الله بقيادات حكيمة تعمل بجهد كبير ومثابرة مستمرة لرفاهية شعبيهما، واللحاق بركب العالم المتقدم في كافة مناحي الحياة، خاصة وأن كل الامكانيات قد توافرت علاوة على الرغبة وقوة الإرادة لبلوغ الأهداف المنشودة. حفظ الله البحرين والسعودية قيادة وشعبًا وحماهما من كل أذى ومن كل شر.

مشاركة :