رغم التقارب بين الصين وروسيا والتوافق بينهما إزاء العديد من القضايا الدولية، فإن ذلك لا يعني تطابق وجهات النظر بين البلدين، حيث تؤيد بكين موقف موسكو الرافض لتوسع حلف شمال الأطلسي وضمه لأوكرانيا، إلا أنها في الوقت نفسه ترفض تدخل روسيا في الأراضي الأوكرانية واعتراف موسكو بالجمهوريات الانفصالية في المنطقة. وتقول الباحثة كلارا فيريرا ماركيز إن الحكام المستبدين يساعدون بعضهم البعض، وقد اتخذت الصين حتى الآن جانب روسيا في الأزمة الراهنة مع الغرب. ودعمت بكين طلب موسكو بالحصول على ضمانات أمنية ملزمة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما رفض إعلانهما المشترك أي توسع جديد للحلف. إلا أن هذا لم يكن دعما للقيام بمغامرة في دولة مجاورة. الصين لم تؤيد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم أو إجراءاتها في شرق أوكرانيا أو اعترافها باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ورأت ماركيز أن بوتين من خلال تجاهل الدبلوماسية بخطاب غاضب مشتت اعترف خلاله بجمهوريتين انفصاليتين شرق أوكرانيا وإرسال قوات وتمهيد الطريق لغزو شامل، يختبر حدود بكين. واعتبرت الباحثة أن تقارب الصين مع روسيا حقيقي. واقتصاداتهما متكاملان، حتى إذا كانت روسيا تمثل مجرد جزء من تجارة الصين، وقد أصبحت العلاقات الاقتصادية والعسكرية بينهما أوثق، حيث أوجدت السياسة الخارجية الأميركية أرضا مشتركة بينهما. وقد تجاوزت الدولتان بالفعل عقبات في علاقتهما في آسيا الوسطى والقطب الشمالي وبشأن جهود بكين للتخلص من انبعاثات الكربون، والتي لحسن الحظ ستستمر روسيا في استخدام الغاز لبعض الوقت. وتدرك القيادة الصينية جيدا أهمية الدعم الروسي لها في قضايا مثل تايوان. إلا أن قضايا قليلة للغاية تهم بكين بنفس قدر مبدأي عدم التدخل ووحدة الأراضي، وهما مهمان في مطالبتها بالسيادة على تايوان والتبرير الرسمي لعمليات القمع في هونغ كونغ، وجوهر سياستها الخارجية. ولم تؤيد الصين مطلقا بشكل علني ضم روسيا لشبه جزيرة القرم أو إجراءاتها في شرق أوكرانيا أو اعترافها باستقلال جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في القوقاز. وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي لمؤتمر ميونخ للأمن خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية “يجب احترام وحماية سيادة الدول واستقلالها ووحدة أراضيها”. وأكد أن “أوكرانيا ليست استثناء”. ولم يمثل أي من ذلك مشكلة، عندما كانت روسيا تطلق فقط تهديدات عسكرية وتغالط التاريخ، مما سمح للصين، التي تمارس الأمرين، لتظهر بمظهر المؤيد للدبلوماسية وتعاقب أولئك الذين “يثيرون الذعر”. إلا أن اتخاذ موقف بشأن شن حرب هو أمر آخر، خاصة عندما فوجئ مسؤولو بكين بالتغير الذي أصاب الزعيم الروسي الشرس والذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. الصين اتخذت حتى الآن جانب روسيا في الأزمة الراهنة مع الغرب وفي نهاية الأسبوع أعرب وانغ عن تأييده لاتفاق مينسك للسلام المبرم عام 2015 كحل للأزمة الأوكرانية، إلا أن اعتراف بوتين بجمهوريتي لوهانسك ودونيتسك بعد ذلك بأيام، ضرب هذا الاتفاق. وكان هذا التطور محرجا بشدة للصين، خاصة بعد الشهر الماضي، عندما فوجئت الصين أيضا بإرسال تحالف تقوده موسكو قوات إلى كازاخستان لقمع الاحتجاجات هناك. وهناك عوامل تزيد من تعقيد الصورة، ومنها أن بكين لن تغامر بتأييد حركات انفصالية، خاصة تلك التي تشكلت حول اللغة والعرقية. هناك مبدأ وحدة الأراضي، ولكن كما يقول تشن هاو هوانغ أستاذ العلوم السياسية “هناك أيضا قضية غرب الصين المتمرد، حيث ترتبط الأقليات بآسيا الوسطى عرقيا ودينيا، أكثر من ارتباطها مع قومية ‘هان’ التي تشكل الأغلبية في الصين، وقيادة الحزب الشيوعي”. وكما يشير هوانغ تعد هذه إشارة يمكن أن تعود لتطارد الحكومة. وعلى الرغم من ذلك، حذر مؤرخ الحرب الباردة سيرجي رادشنكو بجامعة جونز هوبكنز للدراسات الدولية من أنه من السابق لأوانه اعتبار أن العلاقات الصينية – الروسية انتهت، ورأى أن اتحادهما ضد الغرب لا يزال قويا، وأن أي أمر آخر يأتي في المرتبة الثانية.
مشاركة :