حثّ فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد بن طالب بن حميد على الانشغال بطاعة الله واليقين بأن محبة الله ولزوم طاعته واتباع أوامره تجلب السعادة والطمأنينة في الدنيا، وتورث الخير والفوز في الآخرة، وأن الانشغال بحبّ الدنيا وملذاتها الفانية، والغفلة عن الطاعات والعبادات يورث الندامة والخسران في الدنيا والآخرة. خطبة الجمعة من المسجد النبوي واستهل فضيلته خطبة الجمعة اليوم بعد حمد الله والثناء عليه، بقوله: رحم الله عبدًا وبّخ نفسه ثم لامها فذّمها ثم خطمها فألزمها كتاب الله فكان له قائدًا وأجلى صدأ قلبه بتلاوة القرآن. وأضاف: أيها المؤمنون إن مّحل نظر الرحمن من الإنسان هو مكنون الجنان، وما يصدر عن القلب صلاحًا وفسادًا هو مثاقيل الميزان “فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُه، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ”. وبيّن الشيخ بن طالب أن الجنان تُزلف لكل تقي أواب لربه التوّاب، رجاع حفّيظ لحدود الله ما استطاع، فقال عزّ وجلّ :” وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ، لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ”. وأورد فضيلته، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ” إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ”، فرحم الله عبداً وبّخ نفسه ثم لامها فذّمها ثم خطمها فألزمها كتاب الله، فكان له قائداً، وأجلى صدأ قلبهِ بتلاوة القرآن، وألانهُ بتفقد الأيتام وإطعام المساكيّن، وأنارهُ بدوام ذكر الله. فضل ذكر الله وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن من كان ذاكراً كان مذكوراً ، ومن كان مذكوراً كان صوته عند أهل السماء مألوفًا، وبالوصال معروفًا، وما من عبد إّلا وله عينان في وجهه يُبِصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة، فإذا أراد الله بعبده خيراً، فتح عينيه اللتين في قلبه، فأبصر بهما وعَد الله بالغيب، فأمَن الغيَب بالغيِب، وإذا أراد به غير ذلك تركه على ما فيه. وذكر قول الله تعالى : ” أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها”، متسائلاً : وهل أقفالها إلا من إغفالها وخلّوها من وازع إقبالها على ربّها، فأنّى لقلوب ُشُغِلت بحبِّ الدنيا عن الله عز وجل أن تجول في الملكوت، ثم ترجع إلى أصحابها برائق الفوائد، وفائق العوائد، وكيف لقلب أن يخلو من حبِّ الدنيا والعين إلى زينة أهلها ناظرة، والأذن إلى زخرف أقوالهم صاغية، فكان عاطلًا عن الحكمة التي لا تُنَقش إّلا بمداد النور على بياض القلب، وإن القلب إذا عطُل من الحكمة غلب عليه الجهل حتى يميته، فيرعى صاحبه كالنعم، ينام ملء عينه، ويأكل ملء بطنه، ويضحك ملء شدقيه، في النهار ساعٍ، وفِي الليل لاهٍ “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ” ، والغافلون هم الكاذبون الذين لا يَصدق لهم قول ولا فعل ولا تو جه إلى الله عز وجل. واختتم فضيلته الخطبة بقوله : أيها المؤمنون لو تطالعت قلوبكم بفكرها إلى موعود ربها المكنون في حجب الغيب من خير الآخرة، لم يصْفُ لكم عيش، ولم تقَّر لكم في الدنيا عين، فحُّب الله تبارك وتعالى يُشغِل قلوب محبّيه عن التلذّذ بمحبة غيره، فليس لهم في الدنيا مع حبّه لذة تُداني محبّته، ولا يأملون في الآخرة من كرامة الثواب شيئًا أكبر عندهم من النظر إلى وجه محبوبهم، وهم دون ذلك درجات، وليس من شرط الولي أّلا يُذنب، ولكن من شرطه أنّه كلّما أذنب استغفر، قال تعالى ” إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ”.
مشاركة :