من خلال حديث وتطلعات وأفكار محدثك تستطيع أن تعرف أي عقلية يملك، وتستطيع أن تلمس مدى رقي، أو انحطاط، أو تميز، أو «فراغ» شخصيته. ولأننا في زمن الثرثرة فقد امتلأت محيطاتنا المجتمعية بكمٍّ كبير من عيِّنات خاوية الفكر، عديمة الهدف على الرغم من إصرار بعضهم على إخفاء ذلك خلف أقنعة التحدث، والتصرف، والتظاهر بعكس الحقيقة. وكأي فراغ في السنة الكونية لا يمكن أن يبقى خاوياً، ويجب أن يمتلئ بأي شيء يحل محل صفير الهواء في أعماقه، ولو كان ذلك الشيء مضرَّاً أكثر من الفراغ نفسه، حلَّت أفكار فارغة وسلبية، وأخرى مدمِّرة، بالإضافة إلى أمنيات لا تخطيط لتحقيقها، وآمال لا هدف يحيلها إلى واقع، وتستمر سلسلة هذه الشخصيات بالتطاول من حولنا حتى فقدنا الشخصيات الإيجابية، والنماذج والقدوات الاجتماعية الإيجابية بشكل واضح. المشكلة لا تكمن في هذه الشخصيات بحد ذاتها، لو اقتصر الأمر على وجودها دون تأثير، لكنها باتت تشكِّل عدوى لكل الشخصيات المحيطة بها، فتسود السلبية والخواء والسطحية حتى تصبح سمة اجتماعية سائدة. الجيل الجديد هو أكثر مَنْ يعاني من هذا الفراغ الفكري دون أن يستشعر خطورة الأمر، واستحالته إلى ظاهرة، تستحق البحث عن علاج وحلول للحيلولة دون انتقالها إلى أجيال أخرى. المواد الإعلامية، وثورة التكنولوجيا، وتسارع التطورات الحياتية، وحتى الإحباطات السياسية والاجتماعية، أثرت بشكل كبير في تكوين شخصية المجتمع الجديد، وجعلت منه دمية خاوية من كل شيء عدا السطحية والسلبية واللامبالاة.
مشاركة :