في ظل العزلة السريعة لهونج كونج عن باقي العالم، ثارت تساؤلات بين المديرين التنفيذيين في مجال الأعمال والمستثمرين والعمال الأجانب بشأن هل تسعى سنغافورة لتحل محل الإقليم التابع للصين، لتصبح المركز المالي الرئيس لآسيا. وتقول الكاتبة الصحافية راشيل روزنتال في تحليل نشرته وكالة "بلومبيرج" للأنباء، إنه إذا كان ذلك طموح سنغافورة بالفعل، فثمة حاجة إلى إجراء نقاش بشأن مسائل عديدة، وترى أن المركزين الماليين، هونج كونج وسنغافورة، يكملان بعضهما بعضا، وليسا في وضع تنافس على التمتع بالموهبة العالمية. وبحسب تحليل "بلومبيرج"، يعد الموقف في هونج كونج متدهورا، حيث قلب تفشي المتحور أوميكرون من فيروس كورونا خلال الأسابيع الماضية، سياسة الحكومة لتحقيق "صفر إصابات" رأسا على عقب، وأجبرها على فرض إجراءات قاسية لاحتواء الجائحة. واضطرت سلطات هونج كونج إلى اللجوء لبكين، ليس فقط من أجل المستلزمات الطبية، ولكن أيضا للحصول على الاحتياجات الأساسية اليومية، بعدما اختفت المنتجات الزراعية من المحال التجارية، وقال مسؤول خلال عطلة نهاية الأسبوع إن الحكومة في "وضع حرب شاملة". وبالمقارنة، سنغافورة لديها مميزات كبيرة، فبعد إخفاق أولي في رد الفعل تجاه تفشي أوميكرون، بدأت الحكومة تتعامل مع التفشي الأخير للجائحة بهدوء، حيث خففت شروط الخضوع للحجر الصحي، وعدد اختبارات الكشف عن كورونا، رغم زيادة الإصابات. ورغم أن ركوب طائرة يتطلب كما مزعجا من الأعمال الورقية، صار السفر أسهل، وأبواب المدارس مفتوحة. ورغم أن البيانات الرسمية لا تشير إلى عدد الشركات، التي انتقلت من هونج كونج إلى سنغافورة، ثمة دلائل متواترة وبيانات من موقع "لينكد إن" على تزايد العدد. ولكن بالنظر إلى عدد من المعايير، التي تحدد ماهية "المركز المالي"، لا تزال سنغافورة ينقصها الكثير. ورغم جهود بذلت أخيرا لدعم سوق الأسهم المحلية، لا تزال هذه السوق كالقبر، فقد بلغ متوسط حجم التداول اليومي في بورصة سنغافورة خلال شهر كانون الثاني (يناير) الماضي 890 مليون دولار، مقابل 16.5 مليار دولار في هونج كونج، كما أن القيمة السوقية للأسهم المتداولة في هونج كونج، تعادل ثمانية أمثال تلك في سنغافورة. ويفسر ذلك سبب لجوء مشاريع ناشئة رئيسة- مثل شركة "جراب هولدينج" صاحبة أكبر تطبيق لخدمات نقل الركاب في سنغافورة- لإدراج أسهمها في بورصة نيويورك العام الماضي. ورغم ذلك، تتمتع سنغافورة بمزيد من التنافسية، فيما يتعلق بجذب الثروات- ليس فقط من الصين، بل أيضا من الهند وإندونيسيا، وماليزيا، وبلغ حجم الأصول، التي يتم إدارتها في المدينة الدولة 3.5 مليار دولار بنهاية 2020، مقارنة بـ 4.5 مليار دولار في هونج كونج. وفي حين أخذت سنغافورة خطوات لسد هذه الفجوة، أعلنت الحكومة الأسبوع الماضي زيادة الضريبة على الأثرياء بواقع 1 في المائة. ولم تقف هونج كونج ساكنة، حيث سعت البنوك بقوة إلى جذب رؤوس الأموال من البر الرئيس الصيني. أما فيما يخص الجوانب المالية المثيرة، والسريعة، مثل العملات الرقمية، فالتنافس متقارب بين هونج كونج وسنغافورة. وكانت هونج كونج حذرة في تعاملها، حيث تعمل على إعداد خطة تنظيمية للعملات المشفرة بحلول تموز (يوليو) المقبل. وعلى النقيض من ذلك، روجت سنغافورة لنفسها بقوة العام الماضي كمركز عالمي لتداول هذه العملات، ولكن بعض الجهود الرئيسة في هذا المجال توقفت. ومن العوامل الرئيسة في إطار المنافسة بين المركزين الماليين، تسهيل توظيف العمال الأجانب، حيث إن التقدم للحصول على تأشيرة دخول لهونج كونج سهل ومريح، ويتضمن مطالب قليلة من أرباب العمل. أما في سنغافورة، فهناك قواعد أشد صرامة تتعلق بتعيين السكان المحليين، وقد رفعت الحكومة الحد الأدنى لرواتب موظفي الأعمال المكتبية في آخر موازنة لها. ويعتمد الاقتصاد السنغافوري بقوة على العمال الأجانب، ويشكل غير المقيمين نحو 27 في المائة، من إجمالي السكان. وتشير الكاتبة روزنتال إلى انقسام في سنغافورة في هذا الشأن، وقالت إن القضية كانت محل نقاش برلماني استمر عشر ساعات العام الماضي. وفي هدوء، يزداد عدد الشركات، التي تعلن خطط طوارئ في هونج كونج، حيث يشعر المسؤولون، الذين أكدوا في السابق أن قيود مكافحة الجائحة لن تهدد المركز المالي لآسيا، بالقلق خشية تداعيات تطبيق إجراءات أكثر صرامة، و أشار سكان، محليون وأجانب، إلى تشديد بكين قبضتها على المدينة، كسبب للرحيل عنها، وسجل عدد المغادرين أرقاما قياسية. وترى روزنتال أن سنغافورة هي المستفيدة من ظهور مزيد من الأعمال التجارية بها وفي هونج كونج، فهي تقوم بكثير من الأعمال الصائبة، ولكنها غير راضية بمشاركة وضع المركز المالي مع هونج كونج، بل تريد المنافسة لتكون المركز الرئيس. وتقول روزنتال في ختام تحليلها إنه طالما ظلت الصين سوقا ترغبه الشركات، ستظل هونج كونج منصة حيوية، حيث يريد المصرفيون، على سبيل المثال، أن يكونوا قريبين من عملائهم، ولكن حال سقوطها في أزمة، قد تبدأ القدرة على التعايش مع كوفيد - 19 في تجاوز هذه الخدمات اللوجستية الجذابة.
مشاركة :