من أهم السمات التي خص الله سبحانه وتعالى بها الإنسان عن سائر المخلوقات هي القدرة على التعامل مع المشاعر المختلفة بأساليب متطورة مقارنة ببقية المخلوقات الحية، إذ وهبه قدرات مذهلة تفوق التصور في القدرة على التشافي الذاتي من أي صدمات شعورية قد يمر بها في حياته. ولمعرفة تلك القدرات الكامنة بداخلنا، في البداية من المهم أن نتعرف إلى طبيعة تلك المشاعر، وأهميتها، وأنوعها المختلفة، ونفهم آلية عملها بداخلنا، حتى نتوصل لكشف سر التشافي الذاتي والاتزان المشاعري. تتميز المشاعر بعدم الثبات، فهي متنوعة ومتغيرة باستمرار، من حيث الكم والنوع، وهو ما يُعد أمرًا طبيعيًا. فكما إن الاستغراق الدائم بمشاعر السعادة قد يفقد الإنسان بعد فترة لذة الشعور، فيصبح الأمر روتينًا معتادًا لا قيمة له، فالانغماس لفترة طويلة بمشاعر الحزن قد يؤدي بالإنسان للاضطرابات النفسية. إن جمال وروعة المشاعر يكمن في إدراك قيمة وأهمية كل شعور بوصفه حاجة ضرورية للنمو والنضج النفسي السليم، فعلى سبيل المثال: عندما تكون في موقف يشكل خطرًا عليك من الطبيعي جدًا شعورك بالخوف الذي يوجه سلوكك نحو الابتعاد والتجنب، كذلك الحال عندما تكون في موقف يشكل تعديًا عليك من الجيد جدًا شعورك بالغضب الذي يقود سلوكك نحو المقاومة والدفاع. مما سبق يمكننا أن نصنف المشاعر الإنسانية وفقًا لتأثيرها النفسي إلى صنفين رئيسين هما: المشاعر المبهجة، وهي التي تزورنا بين الحين والآخر محملةً بالمشاعر المحببة. أما الصنف الثاني من المشاعر والذي تسعى الغالبية العظمي من الناس لتجنبه فهي المشاعر المؤلمة والتي تستوجب أن نوليها اهتمامًا خاصًا. تتسبب المشاعر المؤلمة في العديد من الآلام بدءًا من استنزاف طاقة الإنسان الداخلية ووقوعه فريسة للأمراض النفسية، وقد تمتد وتطول لترمي بثقلها على الجسد الخارجي للإنسان، محدثة أمراضًا جسدية وهي ما تعرف في علم النفس بـ«الأمراض النفسجسدية» والتي باتت منتشرة بكثرة في مجتمعنا، ومن المؤسف إننا ننفق أموالًا طائلة لنعالج الاعراض الظاهرية متغافلين علاج المسببات الجوهرية. وحتى لا نرمي باللوم على المشاعر المؤلمة ونتهمها اتهامات باطلة، ينبغي علينا أن نعي جيدًا أن الإحساس بالألم لا يُعد مشكلة في حد ذاتها على افتراض كونها مشاعر طبيعية كما أشرنا قبل قليل. ولتوضيح آلية عمل المشاعر في جسدنا، والتي ستساعدنا كثيرًا على معرفة سبب تأثير الألم علينا سلبًا، سنأخذ دورة الفصول الأربعة كمثال توضيحي، فبالنظر لدورة الفصول الأربعة نجدها تتعاقب في كل عام، فلكل فصل وقت محدد، لا يتأخر عنه ولا يتعجل، وإن تعطيل أو تأخير أي فصل عن مساره الطبيعي قد ينجم عنه إخلال في النظام الكوني. كذلك الحال في دورة المشاعر الإنسانية، فالمشاعر بنوعيها المبهجة والمؤلمة تمر في مسارات طبيعية تتناسب مع حاجات الإنسان النفسية، إذ يأخذ كل شعور مساره الطبيعي في وقت محدد وفقًا لحاجات الإنسانية النفسية، وإن السماح لشعور بالسير في مساره الطبيعي دون مقاومة أو رفض أو إنكار يفسح المجال لوجود شعور آخر دون إرباك أو تعطيل للقدرات الربانية التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان. غير أن محاولات الإنسان اللاشعورية للتدخل في مسارات تلك المشاعر اعتقادًا منه أن تجنب الشعور المؤلم ومقاومته من خلال تجاهل مصادر الألم وتركيزه على مصادر إيجابية بديلة خطوة جيدة منه لتحقيق حلم السعادة المستدامة، لكنها في الواقع تؤدي لتراكم المشاعر المؤلمة وتحولها بعد فترة من الزمن لقنبلة موقوتة لا تلبث أن تنفجر في أقرب فرصة، مخلفةً أضرارًا مدمرة على الإنسان ومحيطه. ولا ننسى مدى تأثير النظرة غير الواقعية التي يرسمها المجتمع للإنسان الإيجابي الناجح، تلك النظرة التي ترسخ ثقافة القوة التي لا تعترف بحق الإنسان الطبيعي في الشعور بالألم والتعبير عنه. ومما لا شك فيه إنك أصبحت الآن أكثرًا وعيًا بتلك العوامل التي تسهم بشكل كبير في إعاقة سير المشاعر في مسارها الطبيعي وتدمير القدرة الذاتية التي وهبك إياها الله سبحانه وتعالى في التشافي الذاتي. وأصبح باستطاعتك الآن إنهاء كل ما يؤلمك بقرار واعٍ بمنح كل شعور داخلي الحق في الوجود والقبول والاعتراف به حتى يمر بسلام. الأخصائية النفسية هناء الفردان
مشاركة :