8 مارس من كل عام، هو التّاريخ الاحتفالي لتقدير المرأة وإنجازاتها في ظلال «اليوم العالمي للمرأة»، الذي جاء على إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النّسائي الديموقراطي، في باريس عام 1945، لكن الكاتب المسرحي النّرويجي الملقب بـ«أبي المسرح الحديث» هنريك إبسن (20 مارس 1828 - 23 مايو - 1906) سبق ذلك برائعته المسرحية «بيت الدّمية» التي كتبها عام 1870، وكانت الصّرخة التي هزّت أركان المجتمع الغربي وعرّت زيفه، وقد أدرجتها «اليونسكو» منذ 20 عاماً ضمن سجل الأعمال الخالدة، لما تركته من أثر اجتماعي في وضعية المرأة الأوروبية التي ظلّت تعاني سطوة التقاليد البرجوازية التي تلزم المرأة بطاعة زوجها إلى حدود التّماهي والذوبان والتّستّر على جميع العيوب والنقائص والنزوات، وقد مثلت المسرحية، منذ كتابتها وحتى يومنا هذا، الصدمة الكبرى والصرخة المدوية في محيط إبسن الاجتماعي والأدبي، وسمّاها هو بأول مأساة حديثة من حيث تناولها لحكاية «المرأة الدّمية» التي تنتقل من كونها لعبة أبيها إلى لعبة زوجها. مأساة «نورا» المسرحية تدور حول «نورا» السيدة الجميلة الأنيقة، المتفانية في خدمة بيتها وزوجها، تبدو لنا من الخارج أنها تملك حياة سعيدة وهادئة، لكن كل ذلك يخفي وراءه الكثير من الثورة الكامنة التي تنتظر أبسط احتكاك كي تنفجر وتشعل كل ما كان يبدو أليفاً متناغماً وديعاً، في تطور أحداث الفصول الثلاثة من العمل تخفي نورا عن زوجها «تورفالد» حقيقة المال الذي اقترضته من أجل علاجه، وحينما يكتشف الأمر تظهر حقيقته ورفضه لاستقلالها وتفكيرها خارج مؤسسة الزواج، ثم إصراره على طردها من البيت، فتخلع ثوب الدّمية، وتطبق باب البيت خلفها وتغادر في مواجهة مصيرها، مخلّفة وراءها إرثاً هائلاً من الزّيف الاجتماعي والعادات والتقاليد المتوارثة، وصفقة الباب هذه سمعتها كل أوروبا الغارقة آنذاك في زيف العلاقات البشرية، ووصل صداها إلى جميع الطبقات المنغمسة في أوهام «الأخلاقيات الرفيعة»، دون أن تدري أنها تدوس بذلك على كرامة وحقوق المرأة تحت ستارة الأنانية، مقنعة نفسها بأنها تعيش السلام والطمأنينة والعدل. ثورة اجتماعية «بيت الدّمية» هي المسرحية الاجتماعية النقدية التي أراد مؤلفها من خلالها أن يكشف عصره، ويظهر ما فيه من خداع ومواربة تجاه حرية المرأة المقيدة بسلاسل من القيود والأعراف الاجتماعية والدينية، حتى قال عنه الناقد الأميركي «إيريك بنتلي»: «هذا هو إبسن الذي فضح أوروبا».. لقد قدّم إبسن المرأة من خلال نورا، عبر زاويتين، الأولى، تعكس صورة الزوجة المتزنة المنسجمة مع حياتها الزوجية وأطفالها، والزاوية الثانية المرأة الثائرة على القوانين الميكانيكية، وقد أثمر ذلك في النهاية ثورة اجتماعية في أوروبا على قيم الزواج التي كانت سائدة لدى الطبقة البرجوازية، والمحكومة بالمظهر الاجتماعي والاستقرار المادي، وباعتماد المرأة الكلّي على الزوج، فكراً وفعلاً، بصفتها عنصراً ضعيفاً مكسوراً، حتى بروز تأسيس كم كبير من المؤسسات والجمعيات والهيئات المنادية بحقوق المرأة وتمكينها. ما كتبه إبسن في هذا الموضوع كان بدافع إنساني، كما ذكر في حفل تكريمه من قبل «نادي سيدات كريستانيا»، لقد كان هدفي من بيت الدمية وصف جانب إنساني بضيف إليه القارئ مشاعره ومزاجه الخاص تبعاً لشخصيته. بين مؤيد ومعارض هذه المسرحية التي كتبت عنها مئات الدراسات والبحوث، وترجمت إلى أكثر من 30 لغة من بينها العربية، قُدمت لأول مرة على خشبة المسرح الملكي في كوبنهاجن عام 1879، وكتب عنها الناقد فولكيتس إفيس بقوله «ليس في العمل جملة تعجّب، أو تصعيد درامي، أو قطرة دماء، ولا ذرفة دمعة واحدة، وبالطبع قامت الدنيا ولم تقعد في المجتمع الدنماركي، كون المسرحية أثارت جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعارض لموقف البطلة نورا، وبيعت جميع العروض بعد يوم الافتتاح، ما دفع المعنيين إلى تقديم المسرحية في المسرح الملكي باستوكهولم في السويد عام 1808.
مشاركة :