كم هو الجميل أن تنتشر قيم الحب بيننا، وكم هو رائع وصحي أن نشعر أننا محبوبون ومقبولون لدى الآخرين.. كيف لا والحب غريزة إنسانية سامية تحرك العواطف وتشجع المشاعر وتدفعنا للسعادة والانطلاق. حديثي عن الحب بصفة عامة، لا الحب الذي ينشأ بين الرجل والمرأة، (العشق) إنما أتحدث عن الحب بكل تجلياته وأنواعه وأصنافه من دون تمييز أو تفضيل. لذلك من الجميل أن تكون قلوبنا مفعمة بهذه المشاعر، ومستقبلة لا طاردة للخير والسعادة التي يجلبها لك كل من يمنحك حبه ووده. لكنني أيضاً أحذر من الاندفاع في الحب، في اعتقادنا دوماً أن من عشقنا وهوت قلوبنا، ملائكة من السماء، لا تخطئ، أو تتبدل، أو تتغير.. وهذا الخطأ الجسيم الذي يقع فيه معظم المحبين.. كم سمعنا عن صداقات سمت وعلت ثم انهارت مع أول اختبار حياتي قاسٍ تواجهه، وكم سمعنا عن زيجات انتهت في المحاكم وبالطلاق والانفصال بعد أن ربطت وشائج الحب والعشق بين الزوجين، وغيرها الكثير من قصص الحب والاحترام والود المتبادل، التي جمعت اثنين في وئام ونقاء، فلوثت الحياة قلب أحدهما أو بدلت الأيام روح آخر، فكان ضحية الانهيار، وأحاطت به الأحزان والكآبة، وكأن الحياة توقفت، فبات يريد الموت ويتمناه. المشكلة دوما إننا لا نعرف كيف نحب، وقبلها كيف نختار من نحب، كما أننا نغمض أعيننا عن سبق من الإصرار والتعمد عن عيوب واضحة في شريكنا، بحجة أننا نريد أن تنجح تلك العلاقة، فننسى قوانين الحياة، ونتناسى أخلاق هذا الشريك وتاريخه، فلا نكلف أنفسنا السؤال أو التقصي، فتكون النتيجة تراكمات من الأحلام العظام التي تنهار دفعة واحدة، فتحدث شرخاً جسيماً في قلوبنا. في هذا السياق أتذكر قول الشائع : "أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما". وهذه حقيقة بالغة فلا داعي للحماس والاندفاع، وأن نضحي من أرواحنا وأموالنا لأناس تفشل حياتنا معهم في أول تحدٍ نواجهه. وفي تراثنا العربي الكثير من الأقوال والمثل التي تحذر من الاندفاع نحو الحب دون التفكير والتمعن، بل حتى الاندفاع في الصداقة وكأن صديقك إنسان لا يخطئ أو يتغير، فتعطيه من مالك، وتمنحه من وقتك بل وفي أحيان كثيرة قد تؤثره بشيء يمس حياتك ومستقبلك، وهذه من الأخطاء الجسيمة التي تدل على أن هذا الإنسان نسي نفسه تماماً، وما أجمل ما قيل قديماً: احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة، فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة. إنها دعوة للحب والتقدير والاحترام، لكن بعقل وتوازن وشفافية ووضوح، وفي نفس اللحظة دعوة لنحب أنفسنا ونمنحها ما تستحق من العناية والاهتمام، في هذا السياق يقول طبيب علم النفس والإعلامي ومؤلف العديد من كتب الطاقة الدكتور ديفيد فيسكوت: "إذا أجلت سعادتك وقدمت عليها سعادة الآخرين حتى لو كنت تعتقد أنك تفعل هذا بدافع الحب فسينتهي بك الحال إلى الشعور بخيبة الأمل إزاء ردود أفعالهم تجاهك". طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :