الشهيد راشد المسافري .. عاشق الوطن وقيم الصحراء والبداوة

  • 11/27/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الشهيد راشد محمد مطر هزيم المسافري، 25 عاماً، من منطقة سهيلة، 12 كيلومتراً جنوب شرق مركز مدينة رأس الخيمة، لديه طفل رضيع، يبلغ من العمر 5 أشهر، تزوج منذ أكثر من سنة، وأقيم حفل زفافه في صالة أماسي للأفراح بمنطقة الظيت في مدينة رأس الخيمة. عائلة الشهيد راشد المسافري احتفظت بعلمين من أعلام الوطن الغالي، أحدهما لُف به جثمان الشهيد، والآخر قدمته القوات المسلحة الإماراتية هدية ورمزاً لأهل الشهيد، رحمه الله. شهيد الواجب الوطني، الرابع بين أشقائه العشرة، وولده الوحيد يدعى محمد، يقول أقارب الشهيد ومحبوه: إنه كان مولعاً بصغيره، وشديد التعلق به. والدة الشهيد على قيد الحياة، فيما توفي والده عام 2003. والشهيد كان يعول والدته وعدداً من أشقائه. كان الشهيد يتصف بأخلاقه الطيبة والحميدة، مطيعاً لذويه وللأكبر منه سناً، كما يقول شقيقه الأكبر مطر محمد مطر المسافري، 48 عاماً، وبطيبة قلبه، وكان محباً للخير ولأهله، فيما يلفت النظر حبه الجارف للأطفال، لاسيما أطفال شقيقاته وأشقائه، الذين لا يكف عن اللعب معهم، ويصطحبهم إلى العزبتين، اللتين تربي فيهما العائلة الأغنام والإبل. يحب مساعدة الفقراء والمحتاجين يقول مطر المسافري، الشقيق الأكبر للشهيد بين الذكور: إن الشهيد كان في صفاته الشخصية متعاوناً مع أشقائه جميعاً، ولا يتوانى عن مشاورتهم وأخذ رأيهم قبل أن يتخذ القرارات المهمة في حياته الشخصية والأسرية، ويحب مساعدة الفقراء والمحتاجين، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. ووفقاً لمطر الذي كان يقبل صور شقيقه خلال حديث الخليج معه: كان شهيد الوطن حريصاً كل الحرص على صلة رحمه وبر والدته، وهي على قيد الحياة، والتواصل مع أشقائه وأقاربه وذويه بصورة مستمرة، وزيارتهم دورياً كلما سنحت له الفرصة. ويضيف: إن الشهيد حاله حال أي بدوي من أبناء الإمارات، وكان محباً إلى حد بعيد للإبل والماشية، حريصاً على زيارة العزبتين العائدتين للعائلة، حيث تربى الإبل والماشية، للاطمئنان عليها وتفقدها، وكان يتوجه إليهما كلما عاد من عمله ودوامه في القوات المسلحة، حيث موقع عمله في إحدى مناطق إمارة رأس الخيمة. أبرز هواياته، كانت تربية الإبل والماشية واقتناءها والعناية بها، في إطار عمق القيم البدوية في نفسه وروحه، وأصالة تقاليد البيئة البدوية في وعيه وإدراكه الشخصي. احتياجات أشقائه وشقيقاته يواصل مطر الحديث عن شقيقه الشهيد: كان أيضاً يلبي جميع احتياجات والدته، عمرها نحو 50 عاماً، ويعمل على توفير مختلف احتياجات أشقائه وشقيقاته وأهله، مشيراً إلى أنه أطلق على طفله الوحيد اسم محمد ليحمل اسم والده، جد الطفل، رحمه الله. أوصى الشهيد، قبل استشهاده بفترة وجيزة، تحديداً قبل سفره الأخير إلى اليمن، حيث نال الشهادة، بأن يتربى طفله الوحيد في كنف جدته أم الشهيد. الوصية الأخيرة كتبها وأرسلها بواسطة برنامج الواتس آب على الهواتف الذكية إلى خاله. يقول مطر المسافري: إن هدف الشهيد من وراء وصيته تلك هو أن يتشرب الصغير القيم والأخلاق، التي تربى عليها هو نفسه، وليشرب من نبع الأصالة في البيئة البدوية الإماراتية. كان معروفاً، والحديث لايزال لشقيقه مطر المسافري، بالشجاعة وغض البصر والحلم عند الغضب، ملتزماً دينياً، مصلياً محافظاً على الفروض الخمس، ذكر الخالق، سبحانه وتعالى، والاستغفار يجري على لسانه بشكل متواصل ليل نهار، حتى رسائله النصية القصيرة تكاد لا تخلو واحدة منها من ذكر الله، فيما كان يحرص على تذكير الناس، من أهله وأصدقائه وزملائه، بالاستغفار، ويركز على أن الحياة ليست إلّا محطة عبور، وأن الدار الآخرة هي دار الخلود. أحلام بسيطة ومتواضعة حين سألنا شقيقه عن أحلام الشهيد وطموحاته، قال: إنها كانت بسيطة ومتواضعة، لما حمل داخله من صفة القناعة والرضا في الدنيا. كانت أحلامه تنصب على أن تكون له زوجة طيبة وأسرة صغيرة مباركة وأبناء يربيهم، يتحلون بالإيمان والأخلاق الطيبة والحميدة، وأن يزرع فيهم العادات والتقاليد والقيم الإماراتية الأصيلة، ويرسخ فيهم شخصية وقيم البداوة الإماراتية والعربية الراسخة. مواقف ومحطات وفي ما يُحكى عن قصة حياة الشهيد راشد المسافري، تعرض بيته لحريق مفاجئ في رمضان الماضي، قبل سفره إلى اليمن بأيام معدودة، وهو عبارة عن مسكن شعبي بسيط، أجرى له عملية صيانة وترميم وديكورات حديثة قبلها بفترة بسيطة، ما كلفه مبلغاً كبيراً من المال، من تحويشة العمر، على أمل أن يسكن فيه مع طفله وأسرته، لكن القدر أمهله القليل، حيث عاش فيه أشهراً معدودة، قبل أن يحترق المنزل وتندلع النيران فيه، ثم يلقى وجه ربه شهيداً. يذكر مطر المسافري مواقف ومحطات عديدة مع شقيقه الشهيد، يقول: من أبرزها أيام كنا نحضر السيارات القديمة الكلاسيكية من رأس الخيمة إلى منزله في منطقة سهيلة برأس الخيمة، مع بقية إخوانهما، ولقاءاتنا وسوالفه وأمور وذكريات تبدو كأنها لا تنتهي. حبه للوطن وقيادته الرشيدة وأبنائه كان مفتوحاً بلا حدود، بجانب حبه للقوات المسلحة الإماراتية، التي عمل فيها منذ شبابه الغض، متسلحاً بالإيمان، وكانت أمنيته في ساعاته الأخيرة قبل التوجه إلى أرض اليمن أن يحظى بالشهادة، دفاعاً عن حمى الوطن ومكتسباته، وطاعة لأمر وتوجيهات القيادة الرشيدة، بجانب الدفاع عن الحق والشرعية، والذود عن أمن واستقرار جميع الدول العربية الشقيقة. تاج النصر يستطرد مطر المسافري: أدعو رب العالمين أن يحفظ الوطن وقيادته الحكيمة، وأن ينصر قواتنا المسلحة وقوات التحالف العربي على أعداء الإسلام والمسلمين، وأن يزيد جنود الإمارات البواسل والأبطال صلابة وثباتاً، ويحفظهم المولى، تبارك وتعالى، من كل مكروه، ويردهم سالمين غانمين، حاملين تاج النصر على رؤوسهم. الشقيق الأكبر لشهيد الحق والواجب الوطني، يقول: أبشر يا أبو خالد، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بأن أرواحنا وأرواح عيالنا وكل ما نملك فداء للوطن وقيادته الرشيدة، معاهدين الله، سبحانه وتعالى، والوطن المبارك وصاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، بأن نظل أوفياء للوطن، مطيعين لقيادته الرشيدة. أحد رفاق السلاح مع الشهيد راشد المسافري أخبر عائلته، وفقاً لرواية شقيقه مطر، أنه نقل إلى المطار بهدف التوجه به إلى أحد المستشفيات، بعد إصابته خلال المعركة، لإسعافه وعلاجه، على أمل إنقاذ حياته، وكان صديقاً ومرافقاً له خلال تلك اللحظات، لكن راشد أخذ يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليطلب منه، قبل مفارقته الحياة مباشرة، بأن يسلم هاتفه المتحرك لأهله. يؤكد مطر المسافري أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الأب والمعلم والقائد والشقيق الأكبر، لعائلة الشهيد وسواه من شهداء الإمارات، لتقديم واجب العزاء، أثلجت صدورنا وداوت جراحنا، ورسخت في قلوبنا الإيمان بأننا جميعاً فداء لهذا الوطن وقيادته، وأعطت الكثير من الدلالات والمؤشرات عن الحب والترابط بين القيادة والشعب، والقوة والعزيمة والإدارة، التي يتمتع بها الإماراتيون، شعباً ودولة وقيادة. يواصل مطر الحديث: صدق أبوخالد حين قال البيت متوحد، وهو ما أثبته شهداء الوطن بدمائهم، والشعب الإماراتي من ورائهم، ضمن حالة تلاحم وطني شعبي، إلى جانب صبر ذويهم وأقاربهم، وإصرارهم وعزيمتهم على المضي قدماً في طريق الحق ونصرة الوطن والشرعية ورفع الظلم عن المظلومين والمسلوبين والمقهورين. يشير مطر المسافري إلى أن الشهيد كان فرحاً بطفله الصغير محمد، وترى في عينيه فرحة الدنيا بابنه الوحيد، مؤكداً أنه وأشقاءه سيتعهدون بتربية ابن الشهيد البطل ورعايته، كأبنائهم سواء بسواء، انطلاقاً من الواجب الديني والاجتماعي والوطني، وترجمة لوصية الشهيد. يقول مطر المسافري: إن اللقاء الأخير، الذي جمعهم بالشهيد كان في بيت الوالدة، حيث كان يضحك ويسولف، وتناولنا وجبة غدائنا معاً، مشيراً إلى أن شقيقه كان ينصحنا بصورة مستمرة في الأيام الأخيرة من حياته، قبل أن يتوجه إلى اليمن، بالعمل بما يرضي الله، سبحانه وتعالى، والعمل من أجل الآخرة، لأنها خير وأبقى، وفيها الجنة والسعادة. ويحثنا رغم صغر سنه بالمقارنة بي وأشقائه الأكبر عمراً، بأن نعمل الخير ونكثر من العمل الصالح، وبالمواظبة على الصلاة، فيما كان ذكر الله لا يغيب عن لسانه، ويحرص على إرسال رسائل نصية قصيرة مسجات تذكر بالموت وفضائل الشهادة في سبيل الله، وأنها خير من كل شيء في الدنيا. الوداع الأخير يضيف الشقيق الأكبر لشهيد الواجب الوطني: حين ودعت (راشد) الوداع الأخير، قبل أن يغادر في مهمته الوطنية إلى اليمن، قال لي: بسير وبرجع، إن شاء الله، لكن القدر لم يكتب له العودة، ورغم كلماته تلك، أحسست شخصياً بأنه كان يشعر بدنو أجله وبأنه لن يعود، دون أن يمس ذلك عزيمته وروحه الوطنية. ويؤكد مطر أن الشهيد أبومحمد لم يكن يقطعنا إطلاقاً، ويزورنا دورياً، ويأتينا المجلس الخاص بي في منزلي، باعتباري شقيقه الأكبر، وكثيراً ما يتناول الغداء معنا في بيتي، ولا تنقطع عنا اتصالاته الهاتفية ورسائله النصية القصيرة على الهاتف المتحرك، صلة لأرحامه، وللاطمئنان على أحوالنا. ويضيف، بصوت تغلبه لوعة الغياب: ستكون له وحشة في كل الأماكن، التي قضينا فيها أوقاتاً جميلة مشتركة، على مدار الأعوام الماضية، ترك وراءه فراغاً، من الصعب أن يملؤه غيره، المجلس والأماكن الأخرى، لن يأتي إليها مجدداً، الحمد لله، سبحانه، رضينا بقضائه وقدره. أقارب الشهيد راشد المسافري ومحبوه قالوا أيضاً: إنه كان مولعاً بطفله الرضيع، وشديد التعلق به، لكن القدر فرق بينهما مبكراً، والحمد لله، سبحانه وتعالى، دائماً وأبداً، مشيرين إلى أن والدة الشهيد صابرة ومحتسبة، فيما توفي والده عام 2003. الحلم والحريق الشهيد المسافري، بحسب ذويه وأصدقائه، اشترى قبل أعوام قليلة منزله، ليتزوج ويعيش فيه، وهو ما كان فعلاً، لكنه صدم بالحريق في المنزل، الذي طالما راود أحلامه، ولم يكتب له القدر أن يصون أو يرمم ما أفسدته ألسنة اللهب، بعد أن داهمه الوقت، بحلول موعد التحاقه بالقوات المسلحة والسفر إلى اليمن. هزيم محمد المسافري، شقيق الشهيد، هو من أخبر والدة الشهيد بنبأ استشهاده، ما أثار حزنها، لكنها صبرت واحتسبت، لتقول حينها: إنها إرادة الله، ونحن راضون بالقضاء والقدر، والحمد لله، الذي شرفني باستشهاده دفاعاً عن الحق ونصرة للمظلوم. هزيم يقول: إن المصاب والألم لم يزدنا إلّا عزماً وإيماناً وحباً لهذا الوطن، وانتماء لترابه الطيب وولاء لقيادته الرشيدة، رغم أنه لا ألم يعادل الوجع واللوعة بفراق الأهل والأحبة، لكن الوطن أكبر من الحزن والألم، وسقوط إخواننا وأبنائنا شهداء فداء للوطن، ودماؤهم الزكية لن تزيدنا سوى انتماء للإمارات وعشقاً للوطن وولاء لقيادته الرشيدة. تلقى خبر الاستشهاد شقيق الشهيد، سالم محمد المسافري، 18 عاماً، يشير إلى أنه تلقى الخبر المؤلم، برحيل شقيقه شهيداً على أرض اليمن، وهو يؤدي واجبه ضمن صفوف الخدمة الوطنية، بمنطقة المنامة في عجمان، حيث استدعاه أحد المسؤولين وطلب منه التوجه إلى إحدى المركبات، ليركب مع أحد زملائه من الجنود، ثم أبدل ثيابه، ليجد بعدها أنه مُنح إجازة لثلاثة أيام قبل أن يخبروه بنبأ استشهاد شقيقه الأكبر. الاتصال الأخير للاطمئنان عبد الله المسافري، ابن شقيقة الشهيد، تحدث عن آخر اتصال دار بينه وبين خاله الشهيد، والذي كان قبل أيام قليلة من رحيله شهيداً للواجب الوطني والقومي، وفيه سلم خالي علينا واطمأن على أهله وأقاربه ومحبيه، وسولف معنا، وكانت الأمور طيبة، قبل أن يردنا خبر استشهاده، الذي ملأ صدورنا حزناً واعتزازاً وفخراً في الوقت ذاته. أطيب من رأيت خليفة سيف المسافري، يقول عن الشهيد: هو من أطيب من رأيت في الدنيا، هادئ وقليل الكلام، لا يخطئ في حق أحد، وفق شهادتي ومعايشتي له، حتى إذا أخطأ أحد بحقه بكلمة جارحة لا يرد ويلتزم الصمت. كان إنساناً في حاله، ليس راعي مشاكل، خلوقاً، باراً بوالديه، يساعد الآخرين. الرسالة النصية الأخيرة سالم الياسي زوج شقيقة الشهيد، وهو مدير مكتب وزارة العمل في عجمان، لفت إلى الرسالة النصية الأخيرة المسج، التي تلقاها من شهيد الوطن، وأرسلها إلى أهله وربعه، وكانت تنطوي على مفارقة، مضمونها أن المسج يتضمن الحديث عن احتمال الموت في أي لحظة، وينص على: قبل النوم، استمع لسورة من القرآن تحبها، طهر مسمعك من اللغو، واستغفر ربك، ربما لا تستيقظ بعدها، ربما تكون هي المنجية.

مشاركة :