العمل الشريف‮ ‬يكفر الذنوب‮ ‬

  • 11/27/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

احترم الإسلام العمل وأعلى من شأن العاملين،‮ ‬وجاءت نصوص الشرع آمرة بالعمل وحاضة عليه في‮ ‬كثير من المواضع،‮ ‬قال الحق سبحانه‮: ‬وقل اعملوا فسيري‮ ‬الله عملكم ورسوله والمؤمنون‮‬،‮ ‬وروي‮ ‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‮: ‬والذي‮ ‬نفسي‮ ‬بيده لأن‮ ‬يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن‮ ‬يأتي‮ ‬رجلاً‮ ‬فيسأله أعطاه أو منعه‮‬،‮ ‬وقال صلى الله عليه وسلم‮: ‬على كل مسلم صدقة‮‬،‮ ‬قالوا‮: ‬يا نبي‮ ‬الله فمن لم‮ ‬يجد؟‮ قال: ‬يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق‮‬،‮ ‬قالوا‮: ‬فإن لم‮ ‬يجد؟ قال‮: ‬يعين ذا الحاجة الملهوف‮‬،‮ ‬قالوا‮: ‬فإن لم‮ ‬يجد؟ قال: ‬فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشّر فإنها له صدقة‮.‬ وهذا‮ ‬يدل على أن العمل بمجرده صدقة،‮ ‬إن لم‮ ‬يجد العامل ما‮ ‬يتصدق به من ناتج عمله،‮ ‬كما بينت نصوص الشرع أن العمل مكفر للذنوب،‮ ‬وروي‮ ‬عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‮: ‬من أمسى كالاً‮ ‬من عمل‮ ‬يده أمسى مغفوراً‮ ‬له‮‬،‮ (‬ومعنى‮: ‬كالاً‮: ‬أي‮ ‬متعباً‮)‬،‮ ‬وقال صلى الله عليه وسلم‮: ‬خير الكسب كسب‮ ‬يد العامل إذا نصح‮‬،‮ ‬وهذه النصوص الشرعية تربط كلها بين العمل بنصح وجهد وإخلاص،‮ ‬وبين مغفرة الله تعالى ورضوانه،‮ ‬وهكذا حين‮ ‬يرتبط مفهوم العمل والإنتاج في‮ ‬الإسلام بهذه المعاني‮ ‬السامية،‮ ‬فإن شأن العمل والإنتاج لا‮ ‬يقتصر حينئذ في‮ ‬مفهوم الناس على مجرد القيام بعمل مادي‮ ‬للحصول على أجر معين،‮ ‬بل‮ ‬يصبح العمل والإنتاج حينئذ قياماً‮ ‬بالواجب لمصلحة الفرد والجماعة‮.‬ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‮ ‬يحض الناس على العمل،‮ ‬ويبين لهم الوسائل العملية لممارسة الأعمال المختلفة،‮ ‬فقد روي‮ ‬عن أنس‮ ‬أن رجلاً‮ ‬من الأنصار أتى النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬يسأله،‮ ‬فقال‮: ‬أما في‮ ‬بيتك شيء؟ قال‮: ‬بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه،‮ ‬وقعب نشرب فيه من الماء،‮ ‬فقال النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮: ‬ائتني‮ ‬بهما،‮ ‬فأتاه بهما،‮ ‬فأخذهما بيده وقال‮: ‬من‮ ‬يشتري‮ ‬هذين؟‮ ‬قال رجل‮: ‬أنا آخذهما بدرهم،‮ ‬فقال صلى الله عليه وسلم‮: ‬من‮ ‬يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً،‮ ‬قال رجل‮: ‬أنا آخذهما بدرهمين،‮ ‬فأعطاه إياهما،‮ ‬وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري،‮ ‬وقال‮: ‬اشتر بأحدهما طعاماً‮ ‬فانبذه إلى أهلك،‮ ‬واشتر بالآخر قدوما فآتني‮ ‬به‮‬،‮ ‬فأتاه به،‮ ‬فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده،‮ ‬ثم قال له‮: ‬اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر‮ ‬يوماً‮‬،‮ ‬فذهب الرجل‮ ‬يحتطب ويبيع،‮ ‬فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً،‮ ‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: ‬هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في‮ ‬وجهك‮ ‬يوم القيامة،‮ ‬إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة‮: ‬لذي‮ ‬فقر مدقع،‮ ‬أو لذي‮ ‬غرم مفظع،‮ ‬أو لذي‮ ‬دم موجع‮‬،‮ (‬والحلس هو‮: ‬كساءٌ‮ ‬يكونُ‮ ‬على ظَهْر البعير تحت الَبْرذَعة،‮ ‬ويُبْسَط في‮ ‬البيت تحت حُرِّ‮ ‬الثياب،‮ ‬والقعب هو‮: ‬القدح الضخم الغليظ‮).‬ وكل عمل مشروع‮ ‬يعود بالنفع على العامل وعلى المنتفعين بعمله‮ ‬يحض الشرع على القيام به وامتهانه،‮ ‬لا فرق في‮ ‬هذا بين عمل رفيع أو‮ ‬غيره،‮ ‬ولا‮ ‬يغض من قيمة العامل وعمله أن كان العمل لا‮ ‬يرغبه الكثيرون سواء فيما سبق أو في‮ ‬زماننا،‮ ‬فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‮ ‬يعمل قبل بعثته في‮ ‬رعي‮ ‬غنم أهل مكة،‮ ‬كما عمل بالتجارة في‮ ‬مال خديجة رضي‮ ‬الله عنها ببلاد الشام،‮ ‬فلما بعث لم‮ ‬ينكر هذين العملين،‮ ‬فقد قال صلى الله عليه وسلم‮: ‬ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم‮‬،‮ ‬فقال أصحابه‮: ‬وأنت؟ فقال‮: ‬نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة‮‬،‮ (‬والقراريط‮: ‬جمع القيراط وهو‮: ‬نصف عشر الدينار‮)‬،‮ ‬وهذا‮ ‬يدل على قلة ما كان‮ ‬يأخذه النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم مقابل رعيه‮ ‬غنم أهل مكة،‮ ‬وقد كانت أمهات المؤمنين‮ ‬يعملن أعمالاً‮ ‬عدة،‮ ‬فقد كانت زينب بنت جحش تصبغ‮ ‬ثيابها بنفسها،‮ ‬وتعالج بيديها دباغة الجلد،‮ ‬ولا تجد في‮ ‬ذلك حرجاً،‮ ‬وكان الصحابة‮ ‬يؤجرون أنفسهم في‮ ‬الأعمال المختلفة،‮ ‬فكان منهم الفلاحون والحراثون والبناؤون وغيرهم،‮ ‬وقد نُسب كثير من السلف إلى المهن التي‮ ‬كانوا‮ ‬يمتهنونها أو‮ ‬يمتهنها ذووهم‮: ‬كالخصاف والجصاص والماوردي‮ ‬والخوَّاص والآجري‮ ‬والعلاف،‮ ‬وإذا كان الإسلام‮ ‬يعلي‮ ‬من شأن العمل النافع والعاملين فيه،‮ ‬فلا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تحول دون الإقبال على امتهان مهنة معينة،‮ ‬نظرة المجتمعات من قبل ومن بعد لها،‮ ‬فإن الأعراف والقيم المرتبطة بها تتغير بتغير الزمان وثقافة المجتمعات،‮ ‬أما الذي‮ ‬لا‮ ‬يعتريه التغير فهو قيم الإسلام الراسخة،‮ ‬التي‮ ‬منها احترام العمل إن كان مشروعاً‮.‬ د‮. ‬عبد الفتاح إدريس‮ *‬أستاذ الشريعة الإسلامية في‮ ‬جامعة الأزهر

مشاركة :