تعتبر إيران أن جهود إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 ربما تنجح إذا اتخذت الولايات المتحدة قرارا سياسيا لتلبية مطالب طهران، وذلك مع دخول المفاوضات منذ أشهر في ما وصفه أحد الدبلوماسيين الإيرانيين بالمرحلة الحاسمة. ويرى مراقبون أن فشل المحادثات المستمرة منذ عشرة أشهر، من شأنه أن يحمل مخاطر اندلاع حرب جديدة في المنطقة وفرض عقوبات صارمة إضافية على إيران من قبل الغرب، واستمرار الضغط الذي يدفع أسعار النفط العالمية إلى الزيادة، وسط توتر قائم بالفعل بسبب الصراع في أوكرانيا. وحدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة القضايا العالقة المتبقية قائلا إنها تتعلق بمدى إلغاء العقوبات، وتقديم ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الاتفاق مرة أخرى، وحل المسائل المتعلقة بآثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في العديد من المواقع القديمة، ولكن غير المعلنة في إيران. وتقول كل الأطراف المشاركة في المحادثات إنه جرى إحراز تقدم نحو إعادة الاتفاق الذي يحدّ من أنشطة طهران النووية مقابل تخفيف العقوبات، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018، غير أن طهران وواشنطن أشارتا إلى استمرار وجود بعض الخلافات الكبرى التي يتعيّن حلها. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية الثلاثاء تعليقا على المحادثات النووية، "انسحبت الولايات المتحدة بالفعل من خطة العمل الشاملة المشتركة. يجب أن نتأكد من أن ذلك لن يتكرر مرة أخرى". ورمى خطيب زادة الكرة في ملعب البيت الأبيض بقوله "الاتفاق في متناول اليد إذا حسمت أميركا أمرها... إيران مستعدة، ولكنها لن تنتظر إلى الأبد". وفي وقت سابق، قال خطيب زادة في إفادة صحافية أسبوعية "التوصل إلى اتفاق جيد أمر ممكن... لا تزال هناك ثلاث قضايا رئيسية يتعيّن حلها. لم تتخذ أميركا والقوى الأوروبية قرارات سياسية بشأن هذه القضايا الرئيسة". وفي واشنطن حذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس من أن واشنطن مستعدة للانسحاب من جهود إحياء الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، إذا أبدت إيران تعنتا في ما يتعلق بإحراز تقدم. وأضاف برايس أن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها سيبحثون عن "بدائل" إذا كانت إيران "غير راغبة في المشاركة بحسن نية"، دون أن يذكر تلك البدائل بالتفصيل. لكن برايس أكد في الوقت ذاته أن المفاوضات أحرزت "تقدما كبيرا"، متمنيا أن تحمل عودة كبير المفاوضين الإيرانيين إلى فيينا "رؤية أوضح" بشأن النوايا الإيرانية، مضيفا أن المفاوضات "في لحظة حاسمة وحرجة". وشدّدت فرنسا على "الضرورة الملحّة" بأن تثمر المفاوضات الجارية في فيينا بين إيران والدول الكبرى حول البرنامج النووي الإيراني اتفاقا "هذا الأسبوع". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن كلير ليجيندر الاثنين إنّ هناك "ضرورة ملحّة لاختتام المحادثات هذا الأسبوع". واجتمع كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كني، الذي توجه إلى طهران الأسبوع الماضي لإجراء مشاورات حول المسودة النهائية للاتفاق، مع إنريكي مورا، منسق الاتحاد الأوروبي بشأن المحادثات النووية مع إيران الذي ينسق المحادثات في فيينا. إلى ذلك، قال مصدران مقربان من المحادثات في فيينا، إن إيران قدمت مطالب جديدة، مع الاستمرار في الإصرار على المطالب الحالية، ومنها إلغاء إدراج "الحرس الثوري" الإيراني على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية الأجنبية. وقال أحد المصدرين "موقف إيران بعد زيارة باقري لطهران صار أكثر تشددا... إنهم يصرون الآن على رفع العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني، ويريدون فتح قضايا تم الاتفاق عليها بالفعل". وسبق أن قالت إيران إن رفع اسم "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب قيد المناقشة. ولم يرد مسؤولون إيرانيون حتى الآن على طلب للتعقيب. و"الحرس الثوري" من الفصائل القوية في إيران ويسيطر على إمبراطورية تجارية، بالإضافة إلى قوات مسلحة من النخبة وأجهزة استخبارات. وتسبب تصنيف واشنطن له كمنظمة إرهابية أجنبية في 2019 في المزيد من المشاكل للاقتصاد الإيراني المتضرر من العقوبات. كما تصر طهران على أن تتخلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن مزاعمها بشأن أنشطة طهران النووية، رافضة تأكيد الوكالة العام الماضي أن طهران أخفقت في التفسير الكامل لوجود آثار يورانيوم عُثر عليها في عدة مواقع غير معلنة. ونقلت وسائل الإعلام الإيرانية الثلاثاء عن كبير المفاوضين الصينيين وانغ كوان قوله للصحافيين، أمام فندق "كوبورغ" بفيينا، إن المفاوضات وصلت إلى مرحلتها الأخيرة والمشاركين فيها "يرون النور في نهاية النفق". وأعرب كوان عن أمله في أن تعمل جميع الأطراف على تحقيق الاتفاق النهائي في أقرب وقت ممكن، مضيفا أن "الوقت قد حان للتوصل إلى الاتفاق النهائي". وبدأت مفاوضات فيينا غير المباشرة بين طهران وواشنطن في الثاني من أبريل الماضي بواسطة أطراف الاتفاق النووي وهي روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذلك بهدف إحياء الاتفاق النووي المترنح منذ انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018 وإعادة فرضها العقوبات على إيران بشكل أقسى من قبل. وأنهت إيران العمل بجميع القيود "العملياتية" المفروضة على الاتفاق النووي، وطورت برنامجها بشكل أكبر من مرحلة ما قبل التوصل إلى الاتفاق عام 2015. وتجري إيران والقوى التي لا تزال منضوية في اتفاق العام 2015 مباحثات في فيينا، لإحياء التفاهم الذي انسحبت منه الولايات المتحدة أحاديا عام 2018. وتهدف المباحثات التي تشارك فيها واشنطن بشكل غير مباشر إلى إعادة الأميركيين إلى الاتفاق، خصوصا عبر رفع العقوبات التي أعادوا فرضها على طهران بعد انسحابهم، وعودة الأخيرة إلى احترام كامل التزاماتها التي تراجعت عن غالبيتها بعد الانسحاب الأميركي. ومن ضمن الخطوات التي اتخذتها إيران، تقييد عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة اعتبارا من فبراير 2021.
مشاركة :