على طول مسار سيرك في شوارع وأزقة المخيمات والحارات والقرى والبلدات الضيقة في الأراضي الفلسطينية لا بد من رؤية لوحات فنية كبيرة مرسومة على الجدران تحاكي واقع حياة الشعب الفلسطيني اليومية وقضيته. وعادة ما يختار الفنانون الجدران الكبيرة لرسم لوحاتهم المختلفة سواء كانت ذات مناظر طبيعية جمالية أو رموز وطنية فلسطينية أو حتى لافتات تنقل رسالة احتجاج معينة إلى مسؤولين محليين أو دوليين يأتون لزيارة المكان. وتتنوع الرسومات المنتشرة ما بين نساء مسنات يجلسن بجوار أشجار الزيتون يظهرن في حالة الحزن لما وصل إليه حال الشعب الفلسطيني، أو لأسرى فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية يحاولون كسر الأغلال، بالإضافة إلى جداريات جمالية تحاكي الطبيعة. واعتاد الفنانون الفلسطينيون في الضفة الغربية على هذه الظاهرة التي انتشرت في ثمانينات القرن الماضي والعمل على تحويل جدران الشوارع إلى لوحات تعبر عن واقع مجتمعهم. ومن بين هؤلاء الفنان حسام السبع البالغ من العمر 60 عاما من مدينة جنين شمال الضفة الغربية الذي يمارس الرسم على جدران مدينته وشوارعها الضيقة القديمة ومبانيها المهجورة منذ حوالي 27 عامًا. وأبدى السبع، بينما كان يخط بريشته إحدى اللوحات، سعادته بتحويل الجدران المهجورة إلى لوحات تجذب المشاهدين وتعطيهم إحساسا بأنها تعبر عن واقعهم المرير نتيجة الاحتلال الإسرائيلي. ويقول السبع الذي انتهى للتو من رسم لوحة جدارية في أحد شوارع المخيم بمدينة رام الله لوكالة أنباء شينخوا، إن الجدران هي المساحة الحقيقية للتعبير عن مشاعر الفنانين تجاه القضايا المجتمعية، والتي يمكن من خلالها نقل الصورة الحقيقية للواقع الذي يعيشه الفلسطينيون. وتعبر اللوحة التي رسمها السبع عن حال سيدة عجوز حزينة تجلس منحنية الرأس بجانب خارطة لفلسطين التاريخية، بينما يظل مفتاح منزلها المحاط بالأسلاك الشائكة بعيدًا عنها، في إشارة إلى النكبة التي جرت العام 1948 حيث طرد ونزح من الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل حوالي 957 ألف فلسطيني. ويوضح أن “نوع الرسومات التي يخطها بريشته على الجدران تختلف باختلاف القضايا والأزمنة (…) في الماضي كنت أرسم اللوحات المتعلقة بالمقاومة الفلسطينية لنشر روح النضال والوطنية بين الناس، واليوم أرسم رموزا وطنية فلسطينية لها تاريخ نضالي”. ويؤمن السبع وهو أيضا شاعر وخطاط، بأن الفنانين الفلسطينيين في جميع مجالاتهم هم المرآة الحقيقية لمجتمعهم والواقع الذي يعيشون فيه، ولذلك يمكنهم ترجمة مشاعر الناس تجاه موضوع معين إلى لوحة قد تعيش لسنوات عديدة. ويشير إلى أن لوحة السيدة الفلسطينية “ليست جمالية فحسب، بل هي جزء من الحفاظ على التاريخ الفلسطيني الذي يحاول الكثير التخلص منه ودفع الجيل الجديد إلى نسيان قضيتهم الأساسية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس”. ◙ الفنانة تغريد أبوشهاب تفضل استخدام الجداريات لرسم مناظر طبيعية جميلة ويعمل الفنانون من خلال رسوماتهم المنتشرة في شوارع المخيمات والحارات والمدن على غرس العديد من المفاهيم، خاصة في أوساط الأجيال الجديدة بهدف البحث والاطلاع على تسلسل القضية الفلسطينية. ولا يختلف الحال كثيرا لدى الفنانة تغريد أبوشهاب التي تنحدر من مدينة جنين، لكنها تفضل استخدام الجداريات لرسم مناظر طبيعية جميلة، ولعب الأطفال في الحدائق العامة في محاولة لغرس روح الأمل والحياة والتفاؤل. وتقول أبوشهاب بينما ترسم لوحة لامرأة فلسطينية ترتدي فستانا مطرزا بين الطبيعة لشينخوا “أحب أن أعكس روح التفاؤل والأمل من خلال رسوماتي لمساعدة الناس على إيجاد نقاط القوة والسعادة في هذه الحياة”. وتضيف “لكل فنان وجهة نظره الخاصة عن الحياة (…) هناك أناس يحبون رسم المناظر الطبيعية وآخرون يحبون المقاومة واللوحات ذات الأهمية السياسية، وكلها تكمل بعضها البعض في الرسائل”. أما الفنان مرشد غريب (73 عاما) من جنين، فيعد من أقدم وأبرز الفنانين في المدينة خلال الأعوام الماضية إذ تتميز لوحاته بالمزج ما بين الحياة والتفاؤل وتطلعات الشعب الفلسطيني إلى الحرية والاستقلال. ويقول غريب الذي بدأ الرسم قبل نحو 50 عاما، إن الفنانين الفلسطينيين استطاعوا لسنوات عديدة أن يعكسوا حياة وأحلام الشعب الفلسطيني على الجدران، مشيرا إلى أن الفن نوع من “المقاومة السلمية ضد إسرائيل التي تمارس العنف ضد الشعب الفلسطيني الأعزل”. ويتابع غريب الذي كسا الشيب شعره وبدا جسده نحيفا “بدأت الرسم بقلم رصاص، ثم استخدمت الفحم، وبعد ذلك اتجهت إلى الدهانات الزيتية”. وشارك الفنانون الثلاثة في رسم العديد من الجداريات على الجدار الفاصل الذي تقيمه إسرائيل في عمق الضفة الغربية منذ عام 2011، مما يحرم الفلسطينيين من التنقل بسهولة ما بين المدن. ويجمع الفنانون على أن اللوحات هي “سلاح الفنان في وجه الإسرائيليين الذين ينكرون الحقوق المشروعة” للشعب الفلسطيني، مؤكدين قدرتهم على نشر “روح المقاومة للأجيال المختلفة”.
مشاركة :