أقارب نساء وأطفال لبنانيين محتجزين في مخيمات عائلات جهاديين في سوريا يطالبون بعودتهم

  • 3/2/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

داخل غرفة نوم للأطفال مزينة بنجوم ووسائد ملونة، تبكي أم محمّد (50 عاماً) على حال حفيداتها، أكبرهن في العاشرة من عمرها وأصغرهن في الرابعة. وتقول لوكالة فرانس برس بتأثر من منزلها الواقع في مدينة طرابلس (شمال) "جهزت لهنّ غرف النوم، أقول لنفسي اليوم يأتين وغداً يأتين، أنتظرهنّ منذ ثلاث سنوات". وشكّلت طرابلس، المدينة ذات الغالبية السنّية والتي تعدّ من بين الأكثر فقراً في لبنان، خلال السنوات الماضية، حاضنة لمجموعات متشدّدة ناصرت المعارضة السورية إثر اندلاع النزاع العام 2011. والتحق المئات من شبانها بمجموعات مقاتلة هناك بينها تنظيم الدولة الإسلامية في أوج سطوته بعد إعلانه "دولة الخلافة" صيف 2014، ولحقت بهم زوجاتهم برفقة أطفالهن غالباً. ومن بين هؤلاء آلاء (30 عاماً)، زوجة محمّد إيعالي المتهم من القضاء اللبناني بتجنيد عناصر لصالح التنظيم والذي قتل عام 2019 في معارك الباغوز، آخر معقل للتنظيم في سوريا قبل إعلان قوات سوريا الديموقراطية القضاء عليه بدعم من تحالف دولي بقيادة واشنطن. رغم دحره جغرافياً من سوريا والعراق المجاور، تمّكن التنظيم خلال الأشهر الماضية من تجنيد عشرات الشبان من طرابلس الذين التحقوا بصفوفه في العراق، وتبلّغت عائلات ثمانية منهم على الأقل مقتلهم حتى الآن. عائلة إيعالي واحدة من عشرات العائلات التي تطالب السلطات اللبنانية بإعادة نحو مئة شخص من نساء وأطفال من مخيمات تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شرق سوريا. بعد خروجها من الباغوز، انتقلت آلاء مع بناتها الثلاث، والصغيرة منهن ولدت في سوريا، وفق ما تروي عائلتها، الى مخيم الهول حيث وُضعت في القسم المخصص للمهاجرات والذي يضم نحو عشرة آلاف من عائلات مقاتلي التنظيم المتطرفين الأجانب والخاضع لحراسة مشدّدة، وغالباً ما يشهد توترات وفوضى أمنية. وتوضح أم محمّد التي قتل ابنها الآخر في صفوف التنظيم عام 2017، "لم يكن لدي إلا هذين الشابين وقتلا، ليرحمهما الله. هما اختارا طريقيهما، ولا أستطيع أن أقول شيئاً، هذا قضاء الله، لكن ما أريده هو إحضار هذه المرأة والطفلات ليعشن معي". "تسريع" الملف وتقول عن حفيداتها بينما تجهش بالبكاء "أعيش من أجلهن وأتنفسهن، حلمي أن أضمّهن الى قلبي وأشمّ رائحة والدهن"، معربة عن حزنها الشديد لظروف عيشهن الصعبة في خيم تخترقها الوحول والأمطار شتاء مع نقص في الكثير من الحاجات الأساسية. وتؤكّد بينما غرف حفيداتها مجّهزة في منزل العائلة "أريد تعويضهن عن كل شيء، عن حنان الأب والطعام والمال"، متحسرة كيف "يعشن في البؤس محرومات من كل شيء". ونجح والد آلاء، خالد أندرون، في لقاء ابنته وحفيداته مرتين داخل مركز لقوات سوريا الديموقراطية، من دون أن يتمكن من إخراجهن من سوريا. وانتهت إحدى محاولات ابنته الفرار مع مهربين بالفشل إثر انفجار لغم أرضي أدى الى إصابتها في قدمها وجعلها شبه عاجزة عن الحركة. ويقول أندرون الذي يتابع ملف العائلات اللبنانية في مخيمات شرق سوريا لفرانس برس "ما سيكون عليه مصير الطفلات؟ يحتجن الى إعادة تأهيل وتعليم وطبابة، والأهم الى علاج نفسي. نحن مستعدون لذلك كلّه". ويبلغ عدد النساء مع الأطفال 94 شخصاً، وفق أندرون. ويوضح أن الحكومة تتولى منذ العام 2019 متابعة الملف وأحالته مؤخراً إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. ويطالب عبّاس بأن "يسرّع في إحضار أولادنا". وأكّد اللواء ابراهيم من جهته لفرانس برس أن "الملف موجود لدى الأمن العام"، موضحاً أنه "موضوع متابعة في انتظار القرار السياسي لمعالجته مع السلطات المعنية المسؤولة عن مكان التوقيف"، في إشارة الى السلطات الكردية. ومنذ سنوات، تكرر الإدارة الذاتية مطالبة الدول باستعادة رعاياها من محتجزين في مخيمات أو معتقلين في سجون بعد أن كانوا مقاتلين مع التنظيم. وسبق لابراهيم أن تولى وساطات عدّة قادت الى الإفراج عن محتجزين لدى أطراف عدة في سوريا، آخرهم 19 فرداً من عائلات ألبانية من مخيم الهول الذي يعتبره مسؤولون أكراد بمثابة "قنبلة موقوتة". وتحذّر الأمم المتحدة من تدهور الوضع الأمني في المخيم، مع تكرار مقتل قاطنين فيه، بينهم حراس أمن وعاملون إنسانيون. "ما ذنب الأطفال"؟ بعد محاولتي فرار باءتا بالفشل، تمكنّت أم مصعب سكاف (35 عاماً) نهاية عام 2018، من مغادرة مخيم الهول برفقة ابنيها (13 و14 عاماً حينها) بمعيّة مهرب مقابل نحو ثمانية آلاف دولار. وكانت التحقت بزوجها في الرقة في شمال سوريا، أبرز معاقل التنظيم المتطرف آنذاك، عام 2015 قبل أن يقتل لاحقا في المعارك. لكن أم مصعب تركت خلفها ابنة (17 عاماً) متزوجة من مقاتل سابق في التنظيم، ومحتجزة في مخيم روج في محافظة الحسكة الذي يُعرف الى حد ما بانضباط الوضع الأمني فيه. وتقول لفرانس برس "طالبنا كثيراً بأن يعيدوا اللبنانيين وبينهم ابنتي. مضت خمس سنوات من دون أن أراها، (..) انتهى الملف، عليهم أن يعيدوهم". وكانت أم مصعب التي سجنت بعد عودتها الى لبنان لتسعة أشهر، في عداد وفد من الأهالي التقى عدداً من المسؤولين اللبنانيين بينهم اللواء ابراهيم ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي المتحدر من طرابلس، للمطالبة بحلّ القضية. وتضيف "ابنتي قاصر ذهبت معي، ما ذنبها؟". في طرابلس أيضاً حيث يلاحق آلاف الشبان بتهم ذات طابع "إرهابي" تتعلق بمهاجمة الجيش وشنّ اعتداءات في مناطق عدّة والقتال في سوريا، تنتظر نور الهدى عباس (59 عاماً) عودة زوجة ابنها وطفلته (سبع سنوات) من مخيم الهول. وتقول لفرانس برس "لم نترك مسؤولاً إلا وقصدناه، كلهم وعدونا خيراً. يقولون لنا هذا الشهر وهذا الأسبوع" سُيحل الملف. وتناشد السلطات "أحضروا النساء، من عليها شبهات فليتم توقيفها. لسنا ضد الدولة بل معها". وتتابع بغصّة "أريد ابنة ابني، ومن حقي أن أطالب بها"، لافتة الى أن الأطفال "لم يختاروا هذه الحياة (..) لكننا قادرون على تغييرها".

مشاركة :